إسرائيل تُعزز احتلالها للجولان : صراع النفوذ في سوريا الجديدة

بينما تُحاول سوريا، بعد 14 عامًا من الدمار الذي خلّفه نظام بشار الفار ، أن تلملم جراحها وتستعيد أنفاسها، تتحرك إسرائيل بوقاحة لتُحكم قبضتها على الجولان السوري المحتل.
يوم 20 أبريل/نيسان 2025، قاد رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية، إيال زامير، جولة ميدانية في الجولان و المناطق العازلة، برفقة قادة كبار مثل أوري غوردين ويائير بلاي، ليُعلن خططًا عسكرية هجومية ودفاعية، كأنه يزرع أعلام السيطرة في أرض ليست له.
هذه ليست زيارة عابرة، بل رسالة استفزازية صريحة: إسرائيل تريد أن تكون سيدة المشهد في سوريا الناهضة.

الجولان، أرض سورية احتلتها إسرائيل منذ 1967 في خطوة رفضها المجتمع الدولي، ليست مجرد رقعة جغرافية، بل منصة مراقبة تطل على دمشق وبيروت وعمان كلوحة تحكم إقليمية.

هذه التلال درعنا الاستراتيجي، والمستقبل غامض

إيال زامير

زامير، من موقع سري، لم يُخفِ طموحاته: “وجودنا هنا ضرورة أمنية لا تُفاوض”. جيش الاحتلال  الإسرائيلي يصف المنطقة بـ”الحيوية”، ويُصر على نشر قواته في المناطق العازلة وسفح جبل الشيخ، الذي يبعد 35 كيلومترًا عن دمشق، متجاهلاً اتفاقية فصل القوات لعام 1974، التي أصبحت حبرًا على ورق بعد إلغائها من طرف إسرائيل. هذا ليس دفاعًا، بل استفزاز يتحدى القانون الدولي.

سقوط النظام البائد وفرار بشار في ديسمبر/كانون الأول 2024 فتح الباب لإسرائيل لتوسيع احتلالها.
لم تكتفِ بالجولان، التي ضمّتها في خطوة غير شرعية عام 1981، بل اندفعت إلى المناطق العازلة غير العسكرية، وصولاً إلى مسافة 20 كيلومترًا من دمشق.
الغارات الجوية شبه اليومية، التي تستهدف مواقع عسكرية ومنشآت أسلحة، أودت بحياة مدنيين ودمرت بنية تحتية، كأن إسرائيل تريد سوريا بلا أنياب. هذه ليست عمليات عشوائية، بل استراتيجية لإضعاف أي حكومة قادمة، مدعومة باعتراف أمريكي بسيادة إسرائيل على الجولان عام 2019، رغم رفض العالم.

تركيا، كلاعب إقليمي لا يُستهان به، تقف كجدار أمام العبث الإسرائيلي. أنقرة نددت بالجولة العسكرية، معتبرةً إياها تهديدًا لاستقرار المنطقة. هاكان فيدان، وزير الخارجية، وجّه نقدًا لاذعًا: “إسرائيل تُدمر البنية العسكرية السورية لتترك الحكومة الجديدة عارية”.

من يحاول منع سوريا من السلام سيجدنا في وجهه

رجب طيب أردوغان

أردوغان، بلهجته الحادة، أعلن: “لن نسمح بتقسيم سوريا عبر ممرات جديدة”. وسط أنباء عن اتفاقية دفاع محتملة بين تركيا وسوريا، تشمل نشرًا عسكريًا تركيًا في قاعدة T4، أبدى نتنياهو قلقه، مؤكدًا أن إسرائيل “تريد تجنب” الصدام مع تركيا.
لكن الكلمات لا تخفي الحقيقة: إسرائيل تلعب بالنار، وتركيا لن تقبل بتقطيع أوصال سوريا.

الأمم المتحدة أدانت التوغل الإسرائيلي في المناطق العازلة، معتبرةً إياه خرقًا لاتفاقية 1974، لكن صوتها ظل خافتًا كالعادة. الأردن ولبنان، اللذان يغرقان في حسابات سياسية معقدة، اختارا الصمت، تاركين سوريا تواجه مصيرها.

إسرائيل تنتهك القوانين، لكن العالم يكتفي بالهمس

الغارات الإسرائيلية، التي دمرت بنية تحتية وأزهقت أرواح مدنيين، تُثير غضبًا دوليًا، لكنه يبقى مجرد كلام. إسرائيل، بدعم أمريكي ضمني وتقليص الوجود العسكري الأمريكي في سوريا إلى أقل من ألف جندي، تتصرف كأن القانون الدولي مجرد قصاصة ورق.

سوريا الجديدة، تحت قيادة أحمد الشرع، تُصارع لكسب الشرعية وسط اقتصاد مدمر، انقسامات طائفية، وعقوبات أمريكية خانقة. الجولة الإسرائيلية والغارات المستمرة تُلقيان بظلال ثقيلة على حكومة بالكاد تقف على قدميها.
هل ستُغامر بالتصعيد الدبلوماسي ضد إسرائيل، أم ستُركز على إعادة البناء؟
الجولان المحتل، ذلك الجرح النازف، قد يُشعل صراعًا إقليميًا، أو يُحتوى عبر قنوات خفية.
لكن مع إسرائيل التي ترسم حدودها بالقوة، والمنطقة على صفيح ساخن، يبقى السؤال: هل يستطيع أحد إيقاف هذا الزحف، أم أن الثمن سيكون كارثيًا؟


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية