لماذا يستكلبون على سراقب؟
بمناسبة القصف الروسي، والسوري، الهمجي على مدينة سراقب، أقول إن هذه المدينة الباسلة دفعت الثمن الأكبر الذي يمكن أن تدفعه مدينةٌ ما، في العالم، في أثناء التصديللاستبداد. في بداية الثورة، شعر نظامُ ابن حافظ الأسد بالذعر من أن تخرج سراقب عن سيطرته، فترك المنطقة كلها وأفلت جنونه عليها. ومع أن سراقب تابعة إدارياً لمحافظة إدلب، فقد تعهد فرعُ الأمن الجوي في حلب بتطويعها، وقمع ثورتها، وأصبح زوار الفجر الجويون يأتون إليها في وضح النهار، ويشحطون الرجال من بيوتهم، ولا يطلقون سراحهم قبل أن يحولوهم إلى حطام.
لماذا سراقب بالذات؟ لأنها قلب الشمال السوري النابض، فطريق الأوتوستراد الدولي بين دمشق وحلب يمر بسراقب، وكذلك الحال بالنسبة لطريق إدلب دمشق، وهناك الطريق الذي يتجه من سراقب غرباً باتجاه أريحا وجسر الشغور، ويوصل إلى سهل الغاب واللاذقية وجبلة وبانياس وطرطوس، والطريق الشرقي الذي يأخذك إلى البادية السورية ومطار أبو الضهور وسكة قطار حلب دمشق. والأعظم من ذلك كله، والأكثر إيلاماً لنظام الاستبداد، أن شعب سراقب خرج في مظاهراتٍ كبيرة على نحو مبكر جداً. وأذكر أنني مررتُ بسراقب خلال الثورة عدة مرات..
زرتُ رئيس الطبابة الشرعية في محافظة إدلب، الدكتور عبد الرحمن باريش، في منزله، وكان قد خرج حديثاً من السجن. حدثني عن المشكلات المتصاعدة في العمل، إذ كان عناصر المخابرات يطلبون من الأطباء الشرعيين إلصاق كل الجرائم التي يرتكبها النظام برقبة الثوار، ومن لا يُنفذ يسجن ويهان. وفي إحدى العصاري، التقيت مع المربي الفنان عبد الرزاق كنجو في منزله.. وحدّثني عما يجري في سراقب من مظاهرات، وعن فنون القمع التي يتعرّض لها الناس.. وزرتُ صديقي الشاعر ياسر الأطرش، في منزله أكثر من مرة، وكذلك الصديق الحبيب عبد الله برغل.. وفي شهر يونيو/ حزيران 2011، خرج الأستاذ محمود باريش من السجن، بعد أن أمضى سنةً بتهمة الانتساب إلى إعلان دمشق، وكان ابنه منهل من الناشطين في الثورة، وكان يؤرخ لأحداثها اليومية، وحينما يسمع بحادثةٍ وقعت في إدلب، أو معرتمصرين، كان يتصل بي ليعرف حقيقتها، ويطمئن لمصداقيتها.
كانت الثورة السراقبية سلميةً ومدنية ونظيفة، وأذكر أنني التقيت وقتئذ بشبانٍ حدّثوني عن رتل الدبابات والمدرعات الذي جاء لتطويق سراقب، فخرجوا له عراة الصدور، يركبون الدراجات النارية، واقتربوا من دبابة القيادة، وطلبوا من الضابط المسؤول أن يَنزل وعناصره، ويأخذوا منهم زجاجات الماء المثلج والكازوز، وأن يوقنوا بأن من واجبهم، أي العسكر، أن يحموا المتظاهرين، لا أن يقمعوهم.
ولكن النظام، حقيقة، لا يفهم أية لغة غير لغة القمع. بدليل أن كبير الشبيحة في سراقب، المدعو أبو بسام الشابوري، حصل، في تلك الأيام، على دعم استثنائي، وصل إلى حد تزويده بآليات مصفحة. ومع بداية تسلح الثورة في سراقب حصلت معارك كثيرة بين الشابوري والمسلحين، انتهت بمقتل اثنين من أبنائه، وهربه إلى غير رجعة.