واشنطن واسرائيل تبحثان ملاذات إفريقية لتهجير فلسطينيي غزة بشكل دائم

أفادت مصادر دبلوماسية أمريكية وإسرائيلية لوكالة أسوشيتد برس بأن الولايات المتحدة وإسرائيل شرعتا في محادثات مع مسؤولين من ثلاث دول في شرق إفريقيا لاستكشاف إمكانية استقبال هذه الدول للفلسطينيين المهجرين من قطاع غزة، وذلك في إطار خطة ما بعد الحرب التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

تستهدف هذه الاتصالات السودان والصومال والمنطقة الانفصالية المعروفة بـ”صوماليلاند”، مما يكشف عن تصميم واشنطن وتل أبيب على دفع هذه الخطة قدماً رغم الإدانات الدولية الواسعة والتساؤلات القانونية والأخلاقية المرتبطة بها. وفي ظل الفقر المدقع والاضطرابات التي تعاني منها هذه المناطق، يثير الاقتراح شكوكاً جدية حول وعود ترامب بإعادة توطين الفلسطينيين في “مناطق مزدهرة وجميلة”.

أكد مسؤولون سودانيون رفضهم القاطع للمقترحات الأمريكية، في حين أعرب مسؤولون من الصومال وصوماليلاند عن عدم علمهم بأي اتصالات رسمية بهذا الصدد.

President Donald Trump meets with Israel’s Prime Minister Benjamin Netanyahu in the Oval Office of the White House, Tuesday, Feb. 4, 2025, in Washington. (AP Photo/Evan Vucci)

تنص خطة ترامب على تهجير أكثر من مليوني فلسطيني من غزة بشكل دائم إلى وجهات خارجية، مع اقتراحه أن تتولى الولايات المتحدة السيطرة على القطاع، وتشرف على عملية تنظيف طويلة الأمد، ثم تحويله إلى مشروع استثماري عقاري. كانت فكرة تهجير الفلسطينيين الجماعي تُعد في السابق حلماً بعيد المنال لدى الأوساط القومية المتطرفة في إسرائيل، لكنها تحولت إلى “رؤية جريئة”، كما وصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد طرحها في اجتماع بالبيت الأبيض الشهر الماضي.

رفض سكان غزة هذا المقترح جملة وتفصيلاً، واستنكروا مزاعم إسرائيل بأن الرحيل سيكون طوعياً. كما أبدت الدول العربية معارضة حاسمة، مقدمة خطة بديلة تركز على إعادة الإعمار مع بقاء الفلسطينيين في أراضيهم. وحذرت منظمات حقوق الإنسان من أن الضغط على الفلسطينيين لمغادرة أراضيهم أو إجبارهم على ذلك قد يرقى إلى جريمة حرب.

ورغم ذلك، أكد البيت الأبيض أن الرئيس ترامب “ملتزم بتحقيق رؤيته”.

وفي تصريحات أدلى بها مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم نظراً لحساسية المبادرة الدبلوماسية، تم التأكيد على التواصل مع الصومال وصوماليلاند، بينما أشار الأمريكيون إلى إدراج السودان ضمن المحادثات. وأوضحوا أن مستوى التقدم في هذه الجهود وطبيعة المشاورات لا تزال غير واضحة.

A tent camp for displaced Palestinians is set up amid destroyed buildings in the west of Al-Shati camp, west of Gaza City, on Monday, March 3, 2025. (AP Photo/Jehad Alshrafi)
alt=”Palestinians shop at Sheikh Radwan Market, west of Gaza City, before the Iftar, the fast-breaking meal, during the holy month of Ramadan on Monday, March 3, 2025. (AP Photo/Jehad Alshrafi)”
The family of Fatima Al-Absi share Iftar, the fast-breaking meal, on the first day of Ramadan in their damaged apartment in Jabaliya, northern Gaza Strip, on Saturday, March 1, 2025. (AP Photo/Jehad Alshrafi)

بدأت المبادرات الأمريكية والإسرائيلية المنفصلة مع هذه الدول الثلاث الشهر الماضي، بعد أيام قليلة من طرح ترامب لخطته إلى جانب نتنياهو، وفقاً لمصادر أمريكية أكدت أن إسرائيل تتولى زمام المفاوضات.

تعتمد الولايات المتحدة وإسرائيل على تقديم حوافز مالية ودبلوماسية وأمنية لهذه الدول، في استراتيجية مشابهة لتلك التي اعتمدها ترامب قبل خمس سنوات للتوسط في اتفاقيات إبراهيم التي جمعت إسرائيل بأربع دول عربية.

امتنع البيت الأبيض عن التعليق على هذه الجهود، كما التزمت مكاتب نتنياهو ورون ديرمر، الوزير الإسرائيلي المقرب منه والمشرف على خطط ما بعد الحرب، الصمت.

من جانبه، أعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، المعروف بدعوته الطويلة لما يسميه “الهجرة الطوعية” للفلسطينيين، أن إسرائيل تعكف على تحديد دول مستعدة لاستقبال الفلسطينيين، مشيراً إلى إنشاء “إدارة هجرة واسعة النطاق” ضمن وزارة الدفاع.


السودان

انضم السودان في 2020 إلى دول اتفاقيات إبراهيم التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل، حيث أزالت الولايات المتحدة اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، مما فتح أبواب القروض الدولية والشرعية العالمية أمامه. لكن هذه العلاقات لم تتطور مع اندلاع الحرب الأهلية بين القوات الحكومية وقوات الدعم السريع.

شهد النزاع فظائع موثقة، بما في ذلك جرائم ذات دوافع عرقية، وفق تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية. وتُحقق المحكمة الجنائية الدولية في اتهامات بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فيما وصفت إدارة الرئيس السابق جو بايدن تصرفات قوات الدعم السريع ووكلائها بأنها “إبادة جماعية” في يناير الماضي.

يبدو إقناع الفلسطينيين بالانتقال إلى بلد يعاني مثل السودان أمراً شبه مستحيل، لكن واشنطن وتل أبيب قد تعرضان على حكومة الخرطوم مزايا مثل تسوية الديون، والدعم العسكري والتكنولوجي.

كشف مسؤولان سودانيان، تحدثا بشرط عدم الكشف عن هويتهما، أن إدارة ترامب تواصلت مع الحكومة العسكرية لاستقبال الفلسطينيين، مع عروض مساعدات عسكرية ودعم لإعادة الإعمار بدأت قبل تنصيبه. وأكدا أن الحكومة رفضت الفكرة فوراً، وقال أحدهما: “تم استبعاد هذا المقترح منذ البداية ولم يُعاد طرحه”.

وأعلن الفريق عبد الفتاح البرهان، في قمة عربية بالقاهرة الأسبوع الماضي، أن السودان “يرفض بشدة” أي خطة تهدف إلى تهجير “الفلسطينيين الشقيقين من أرضهم تحت أي ذريعة”.

A woman and child relax next to a mural of Somaliland’s flag, in Hargeisa, Somaliland, a semi-autonomous breakaway region of Somalia, on Feb. 9, 2022

صوماليلاند

تقع صوماليلاند في القرن الإفريقي وتضم أكثر من 3 ملايين نسمة، وانفصلت عن الصومال قبل أكثر من ثلاثة عقود دون أن تحظى باعتراف دولي، بينما تعتبرها الصومال جزءاً من أراضيها. يضع رئيسها الجديد، عبد الرحمن محمد عبد الله، الاعتراف الدولي على رأس أولوياته.

أكد مسؤول أمريكي أن واشنطن تجري “حواراً هادئاً” مع صوماليلاند حول مجالات تعاون محتملة مقابل الاعتراف الدبلوماسي، وهو ما قد يدفع الرئيس عبد الله لتغيير موقف المنطقة التقليدي الداعم للفلسطينيين.

تتمتع الإمارات، إحدى دول اتفاقيات إبراهيم، بنفوذ في صوماليلاند من خلال مصالح تجارية وموقعها الاستراتيجي قرب خليج عدن، مما يعزز من قيمتها كحليف محتمل. ورغم استقرارها السياسي النسبي مقارنة بالصومال، تظل صوماليلاند من أفقر المناطق عالمياً.

ونفى مسؤول في صوماليلاند، تحدث دون الكشف عن هويته، تلقي حكومته أي عروض أو إجراء محادثات حول استقبال الفلسطينيين.

الصومال

تُعد الصومال من أبرز داعمي القضية الفلسطينية، حيث تشهد شوارعها احتجاجات سلمية متكررة تضامناً مع الفلسطينيين. وانضمت إلى القمة العربية الأخيرة التي رفضت خطة ترامب، مما يجعلها وجهة غير مرجحة حتى في حال قبول الفلسطينيين بالانتقال.

قالت سامبو تشيبكورير، باحثة قانونية في نيروبي، إن دعم الصومال الثابت للحق الفلسطيني يجعل قبولها لاستضافة المهجرين أمراً غامضاً، مضيفة: “ربما تكمن أجندة خفية وراء هذه التحركات”.

ونفى مسؤول صومالي، تحدث دون الكشف عن هويته، تلقي بلاده أي مقترحات أو إجراء مناقشات حول استقبال الفلسطينيين من غزة.

 


 The Associated Press

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية