سوريا تتعهد بتلبية شروط أمريكية لتخفيف العقوبات لكن تحفظاتها تثير تساؤلات

في خطوة دبلوماسية تحمل دلالات عميقة، أرسلت سوريا ردًا مكتوبًا على قائمة من ثمانية مطالب أمريكية كشروط لتخفيف العقوبات، مؤكدة التزامها بمعالجة معظمها، لكنها أبدت تحفظات حول قضايا حساسة مثل إزالة المقاتلين الأجانب من المناصب العسكرية والسماح للولايات المتحدة بشن ضربات لمكافحة الإرهاب. الرسالة، التي اطلعت عليها رويترز، تكشف عن تعهدات دمشق بتدمير مخزونات الأسلحة الكيميائية، وتتبع مصير الصحفي الأمريكي المفقود أوستن تايس، وضمان عدم تهديد إسرائيل. تأتي هذه الخطوة في ظل اقتصاد سوري منهك بعد 14 عامًا من الحرب والعقوبات الغربية، مما يجعل تخفيف العقوبات ضرورة ملحة لإعادة الإعمار.


جهود سوريا لتدمير الأسلحة الكيميائية وأوستن تايس

في وثيقة ممتدة على أربع صفحات، قدمت سوريا تفاصيل عن جهودها للتخلص من مخزونات الأسلحة الكيميائية، مع تعزيز التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. كما أعلنت عن إنشاء مكتب اتصال في وزارة الخارجية للبحث عن الصحفي الأمريكي أوستن تايس، المفقود منذ 2012. هذه الخطوات، وفقًا لمسؤولين غربيين وسوريين مطلعين، تُظهر جدية دمشق في تلبية بعض المطالب الأمريكية.

سنعمل على ضمان عدم وجود تهديدات من سوريا لأي طرف، بما في ذلك إسرائيل

حسبما جاء في الرسالة السورية

تحفظات حول المقاتلين الأجانب

لم تقدم سوريا موقفًا واضحًا بشأن المقاتلين الأجانب الذين شغلوا مناصب في القوات المسلحة السورية، أشارت الرسالة إلى “تعليق منح الرتب العسكرية” منذ آخر ترقيات معلنة، دون أن توضح ما إذا كانت تلك الرتب قد سُحبت فعلياً بعد تعيين ستة أفراد، بينهم أويغور وأردني وتركي، في القوات المسلحة في ديسمبر الماضي.

ما يمكن تأكيده الآن هو أن منح الرتب العسكرية قد تم تعليقها بعد الإعلان السابق بشأن ترقية ستة أفراد

وفقًا للرسالة

مصدر مطلع على نهج الحكومة السورية كشف أن دمشق تماطل في هذه القضية، معتبرة أن المقاتلين غير السوريين الذين ساهموا في الإطاحة بالنظام البائد يستحقون معاملة خاصة، مما يعقد المفاوضات مع واشنطن.

موقف حذر من الضربات الأمريكية

بشأن طلب الولايات المتحدة بالسماح بشن ضربات لمكافحة الإرهاب، أكدت الرسالة أن الأمر يتطلب “تفاهمات متبادلة”. الحكومة المؤقتة تعهدت بعدم التسامح مع أي تهديدات للمصالح الأمريكية أو الغربية، لكنها تجنبت الالتزام الصريح بالضربات الأمريكية.
قال مسؤول سوري مطلع إن دمشق تبحث عن بدائل لإضعاف المتطرفين دون منح واشنطن إذنًا مباشرًا، نظرًا للحساسيات السياسية بعد سنوات من القصف الأجنبي للأراضي السورية

مراقبة الفصائل الفلسطينية وضمانات لإسرائيل

تعهدت سوريا بمراقبة أنشطة الفصائل الفلسطينية عبر لجنة شكلها الرئيس المؤقت أحمد الشرع، مؤكدة منع أي فصائل مسلحة خارج سيطرة الدولة. الرسالة، التي أُرسلت قبل أيام من احتجاز سوريا لمسؤولين من حركة الجهاد الإسلامي، أكدت أن دمشق لن تكون مصدر تهديد لإسرائيل، في محاولة لطمأنة واشنطن وحلفائها.

تواصل سري مع الولايات المتحدة

كشفت الرسالة عن “تواصل مستمر” بين أجهزة مكافحة الإرهاب السورية وممثلي الولايات المتحدة في عمان لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وهي محادثات لم تُعلن سابقًا. سوريا أبدت استعدادها لتوسيع هذا التعاون، مما يعكس نهجًا براغماتيًا في التعامل مع واشنطن.

آفاق دبلوماسية وتحديات مستمرة

أعربت سوريا عن أملها بأن تؤدي هذه “الضمانات” إلى محادثات معمقة تشمل إعادة فتح السفارات ورفع العقوبات. ومع ذلك، أشار دبلوماسي كبير ومصدر آخر مطلع إلى أن خمسة من المطالب الأمريكية عولجت بشكل كامل، بينما ظلت ثلاثة معلقة، مما يعكس تعقيدات التوفيق بين المصالح السورية والأمريكية.

تداعيات جيوسياسية محتملة

رد سوريا يعكس محاولة دقيقة للخروج من العزلة الدولية دون التضحية بالسيادة الوطنية. نجاح هذه الجهود يعتمد على قدرة دمشق على تقديم تنازلات إضافية، خاصة في قضية المقاتلين الأجانب، وعلى استعداد واشنطن لتقديم حوافز اقتصادية ملموسة. في سياق إقليمي مضطرب، قد تؤثر هذه التطورات على ديناميكيات العلاقات مع إسرائيل وإيران، مما يجعل سوريا محورًا للاهتمام الدبلوماسي في الفترة المقبلة.

تُظهر الرسالة السورية محاولة دمشق لاستعادة مكانتها في المجتمع الدولي، لكن تحفظاتها حول قضايا حساسة قد تبطئ التقدم نحو تطبيع العلاقات مع واشنطن. مع اقتصاد يعاني من الانهيار، يبقى تخفيف العقوبات هدفًا حاسمًا، لكن الطريق إليه مليء بالتحديات السياسية والدبلوماسية.


استنادًا إلى تقرير حصري نشرته رويترز بتاريخ 26 أبريل 2025


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية