مآلات التغيير / أخطاء فردية .. لـ : نداء الدندشي

نداء الدندشي
كاتبة وباحثة سورية

لعقود خلت، اعتاد الشعب السوري سماع جملة “خطأ فردي” تتردد على لسان مسؤول هنا ، أو هناك, كتبرير لحادثة فاقعة جرت في مدينة ما أو بلدة على مساحة الوطن ، وما أكثرها كانت من حوادث تتكرر باستمرار وسط استهانة مخطط لها بحق المواطن وكرامته.

سطوة القمع الذي تعاني منه سورية ، كانت تدفع للصمت إزاء ما يحدث من ممارسات غير مقبولة، فالشعب يحاول جاهدا أن ينأى بحياته وحياة أفراد عائلته بعيدا عن أي مواجهة مع رجال الأمن الذين يترصدون به وبأسرته على مدار اللحظة ، وأي صدام يحدث لن تحمد عقبى نتائجه لاختلال موازين القوة في البلد.

هذا التبرير غير المقبول يعني في حيثياته أن الحكومة غير مسؤولة ، وأن ما حدث جرى خارج إرادتها، بكلمة أخرى أنها غير معنية بإصلاح الخطأ، فهو فردي ناتج عن حالة سلوك عامة هي بمنأى عنه.


“خطأ فردي” مالبث أن تفاقم أمره وتحول إلى سلوك عام يمارس على مرأى ومسمع الجميع، يدفع المواطن ضريبته الباهظة من أمنه، الذي تجاوزت حالة الفلتان فيه حدود اللامعقول، والنتيجة أن تحولت الحياة اليومية إلى شبه كابوس مستمر لا يمكن للإنسان العادي الخلاص من وطأته.


الآن قلبت تلك الصفحة البائسة من تاريخ سورية، وحل خطاب آخر يضع نصب عينيه حق المواطن السوري بحياة لائقة، صون كرامته، وعدم المساس بقيمة الفرد أي كان. لكن إلى أي حد يمكن لمس تطبيق هكذا خطاب على أرض الواقع.

يشكو العديد من المواطنين الآن من ممارسات شاذة يواجهونها خلال تنقلهم في الأحياء، أو بين البلدات والمدن السورية خلال سعيهم لتأمين متطلبات حياتهم وعوائلهم العادية، او تنقلهم إلى مراكز عملهم ، ممارسات خارجة عن نمط حياتهم المعتاد، وهو الحق الوحيد الذي حفظ لهم مما تبقى من شروط الحياة الممكنة وسط المستحيل الذي كان سائدا، لكن المشكلة الفاقعة التي طفت على سطح التغيير أنها أعادت على مسامعهم جملة هتكت حقهم وكرامتهم في الماضي “خطأ فردي”، هنا يتبادر إلى الأذهان سؤال محق، هل تستعين الحكومة الجديدة بشيء من أسلوب نظام مكروه ومنبوذ من معظم أطياف الشعب لتبرر لعناصرها فعلتهم؟


على سطح مجريات الأمور تلك طفت على سطح الأحداث مشكلتان تستوجبان التوقف أمامهما، دخول بعض العناصر الذين من المفترض انهم  حملوا على عاتقهم مهمة تحرير سورية من البين الذي لحق بها لعقود من الزمن، وهم يدخلون إلى الحافلات التي تقل المسافرين ثم يطلبون فصل النساء عن الرجال، وهي مسألة تمس فطرة الإنسان السوري الذي اعتاد احترام المرأة التي تجلس بجانبه.
هذا التصرف تم تبريره بأنه “خطأ فردي”، حسنا، ماذا عن السخرية والاستهانة بمعتقدات الآخرين الدينية، موقف واجهه العديد من المسيحيين السوريين، ملح الأرض السورية وجذورها الضاربة في عمق التاريخ، أيضا تم تبرير الموقف على أنه خطأ فردي، اعتذر هنا على هذه المكاشفة الفظة، لكنه مايجري على مساحة وطن نأمل أن يحصل على  حريته وحقوقه كاملة غير منقوصة.

ويل للمستكبر ، فلا أحد بمنأى مهما طال الزمن

ممارسو “الأخطاء الفردية” الفاقعة تلك تتحمل الحكومة الحالية وزر أخطائهم، تكرارها لن يصب في مصلحتهم مستقبلا ان هم لم يتصدوا للمشكلة وبجدية مسؤولة، فظواهر مثل هذه الممارسات تبتعد عن فطرة شعب سورية التي يجب أن تراعى وتؤخذ بعين الحكمة، وأن تشغل أولويات  من هم على رأس السدة، فالأخطاء الفردية تتوالى واحدة إثر الأخرى، تتراكم وقد تتحول إلى جائحة مجتمعية لا تلبث أن تصبح خارج السيطرة، بحيث تعجز حتى الحكومة على كبح جماحها ان لم تتصدى لها في بداياتها، وفي جميع الحالات يكون المواطن الذي لا حول له ولا قوة هو الضحية المستهدفة، باعتبار أن لا أولويات لكرامة المواطن ضمن أجندة الحكومة، وفق ما يصدر عنها من تبريرات لأحداث غير مقبولة.


أتساءل هنا هل قدر على شعب سورية أن يمضي حياته مقهورا في بلد امتهنت حكوماته المتعاقبة مهمة القهر الجماعي والمجتمعي؟

كلمة حق أقولها، إن أردت من الآخرين أن يحترموا عاداتك ومعتقدك، فعليك أن تبدأ من نفسك وتروضها على احترام عادات ومعتقدات الآخرين، والا فبئس ما تفعل، فقد ينقلب السحر على الساحر ذات يوم.

حكمة الحياة تقول ” ويل للمستكبر ، فلا أحد بمنأى مهما طال الزمن”.

 


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية