فرنسا تستأنف الاتصالات مع قنصلية نظام أسد ، لبحث ترحيل سوريين

للمرة الثالثة، تكشف مراسلات بريدية تواصل السلطات الفرنسية مع قنصلية نظام أسد في باريس للتحقق من هوية شاب يدّعي أنه سوري، رغم الإعلان عن تجميد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين رسميا منذ 11 عاما. تندد الجمعيات بهذا التواصل الرسمي، مشيرة إلى أن ذلك قد يعرّض السوريين للخطر، وتسأل عن جدوى احتجاز سوريين في مراكز ترحيل، طالما لم يُعلن عن أي اتفاق مع نظام أسد يتيح لباريس ترحيل السوريين إلى بلدهم.

Les étrangers peuvent être retenus 90 jours en CRA en attendant leur expulsion. Crédit : Reuters

في 17 آب/أغسطس الجاري احتجزت السلطات الفرنسية شخصا يدّعي أنه مواطن سوري في مدينة رين شمال غرب البلاد، عاصمة مقاطعة بريتاني. ومن أجل التحقق من هويته، شرعت السلطات بالتواصل مع قنصلية نظام أسد في باريس، رغم أن ذلك “غير قانوني” حسبما أكدت المنظمات الحقوقية.

جمعية “لا سيماد” التي تقدم المساعدة الإدارية للأجانب، كشفت بعد اطلاعها على مراسلات بريدية أن الشرطة الفرنسية أوقفت شابا يبلغ من العمر 29 عاما، ونقلته إلى مركز الاحتجاز الإداري. وفي 19 آب/أغسطس، صادق قاضي الحريات والاعتقال على تمديد احتجازه مدة 28 يوما إضافية.


وتضع السلطات الأجنبي الذي رُفض طلب لجوئه أو لا يملك أوراق إقامة صالحة في مركز احتجاز إداري (Centre de Rétention Administratif)، ريثما تستكمل الإجراءات الروتينية لترحيله إلى بلده الأم، بعد التنسيق مع السفارة المعنية.

ممارسة السلطات الفرنسية الأخيرة أثارت قلق الحقوقيين لأسباب عدة، أهمها أن محافظة الشرطة تواصلت مع القنصلية السورية وزوّدتها بمعلومات الفرد الشخصية، رغم أن باريس لم تعلن عن استعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، ولم تطرأ تغييرات على إعلان الحكومة الفرنسية، عام آذار/مارس 2012، تعليق العلاقات الدبلوماسية وإغلاق السفارة السورية احتجاجا على المنهجية القمعية للنظام السوري.

إضافة إلى أن السلطات الفرنسية ذكرت ضمن رسالة رسمية بأن الشخص المعني غير معرض للخطر “في حال عودته إلى بلده الأم”، في “تناقض” مع الموقف الرسمي المعلن عنه.

كما أن السلطات المحلية في مدينة رين وضمن إجراء الاحتجاز الإداري، تكون بذلك شرعت بإجراءات الترحيل إلى سوريا، وطلبت من القنصلية السورية باستصدار ما يدعى بـ”تصريح مرور قنصلي” يتيح تنفيذ عملية الترحيل من فرنسا إلى سوريا.

كل ذلك يثير أسئلة حول جدوى هذه الممارسات، فيما لم تعلن الحكومة الفرنسية عن استعادة العلاقات مع النظام السوري أو التوصل إلى اتفاق ترحيل.

منذ بداية الحراك الشعبي في ربيع عام 2011 حتى اليوم، لم ترحّل فرنسا أو أية دولة أوروبية أخرى سوريين إلى بلدهم (رغم سعي الدنمارك تنفيذ عمليات الترحيل ووضع السوريين في مراكز احتجاز)، لا سيما مع استمرار التقارير التي توثق الانتهاكات التي يرتكبها نظام أسد وتؤكد عدم استقرار الوضع الأمني في البلاد، وتجدد حركة الاحتجاجات خلال الأسابيع القليلة الماضية في مدن سورية عدة للمطالبة برحيل بشار الأسد.

 إشكاليات قانونية وتناقض

أكدت جمعية “لاسيماد” على أن عملية الاحتجاز “غير قانونية”، موضحة وجوب قدرة السلطات على تفعيل إجراء الترحيل ضمن مهلة قصير عند احتجاز أي أجنبي في مراكز الترحيل، “لكننا نعلم جيدا عدم وجود رحلات جوية بين باريس ودمشق”، حسبما أكدت العضوة في جمعية “لاسيماد” لوسي ديفيد.

محافظة الشرطة لم تنكر تواصلها مع القنصلية السورية، وردت على أسئلة مهاجرنيوز مبررة ذلك بأنه خطوة ضرورية “من أجل التحقق من هويته”. بينما أشارت جمعية “لا سيماد” إلى أن الشاب قدّم للسلطات الفرنسية بطاقة هوية سورية.

بالنسبة للجمعيات، يثير هذا الإجراء إشكاليتين. فمن ناحية، “نلاحظ تناقضا تاما بين موقف الدولة الفرنسية العلني [أي غياب العلاقات مع نظام بشار الأسد] والتواصل مع القنصلية السورية”، حسب جمعية “لا سيماد”.

ومن ناحية أخرى، فإن تقديم معلومات إلى سفارة نظام أسد عن أحد مواطنيها المنفيين في الخارج يشكل خطرا على سلامته وعلى عائلته في حال كانت لا تزال في سوريا. لا سيما وأن المحافظة تكون بذلك كشفت عن معلومات الفرد الشخصية كالاسم الكامل وتاريخ ومكان الولادة وربما صوره وبصماته.

مطالبات بإصدار تعمليات واضحة

تلك ليست المرة الأولى التي تُرصد فيها انتهاكات مماثلة، ففي كانون الثاني/يناير من العام الجاري، كشف مهاجرنيوز عن حالتي تواصل متشابهتين بين محافظة شرطة باريس ومحافظة أوت غارون (جنوب البلاد) وقنصلية نظام أسد .

وكانت مسؤولة المناصرة في “منظمة العفو الدولية” مانون فيلونيو نددت بذلك معتبرة ما حدث بأنه “ممارسات فاضحة وخطيرة”، وطالبت السلطات الفرنسية بإصدار تعليمات واضحة وصارمة تمنع أي محاولات تواصل بين محافظات الشرطة وقنصلية نظام أسد ، مشددة على أن “ما حصل أخيرا يعد في غاية الخطورة وغير قانوني”.

وفي أيار/مايو الماضي نشر مهاجرنيوز تقريرا حول احتجاز السلطات الفرنسية ثلاثة إيرانيين بهدف ترحيلهم إلى طهران، رغم أن باريس كانت تعهدت بعدم تنفيذ أي عملية طرد، إلى البلد الذي ترتكب فيه السلطات حملات قمع عنيفة ضد معارضيها.

ويتساءل الحقوقيون عن الهدف من احتجاز مواطنين دول مثل سوريا وإيران وأفغانستان في ظل عدم قدرة السلطات على تنفيذ عمليات ترحيل إلى تلك الدول.


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية