الأرشيف العثماني: تقرير رسمي لأول محاولة بريطانية-صهيونية للتسلل أسفل ساحات المسجد الأقصى عام1911 ..لـ: عمرو الملاح

عمرو الملاح
كاتب ومترجم وباحث سوري مهتم بالدراسات التاريخية والتراثية

القدس في الأرشيف العثماني: تقرير لجنة التحقيق الرسمية بشأن أول محاولة بريطانية – صهيونية للتسلل أسفل ساحات المسجد الأقصى في العام 1911

في بداية القرن العشرين، توافدت طلائع البعثات الأثرية إلى فلسطين تحت ستار التنقيب والبحث عن الآثار، ولاسيما بعدما أعلن في العام 1865 عن تأسيس (الصندوق البريطاني لاكتشاف آثار فلسطين) تحت رعاية التاج البريطاني.

انصبت حملات التنقيب الأثرية على منطقة الحرم القدسي الشريف، وكان هدفها البرهنة على صحة خرافات العهد القديم وأساطيره في القدس.
بيد أن أخطر الحفريات التي طالت الحرم في أواخر العهد العثماني كانت تلك التي أجرتها بعثة أثرية بريطانية بقيادة الكابتن مونتغيو باركر Parker Montague بين عامي 1909-1911، وامتدت لتصل تحت قبة الصخرة المشرفة.
والواقع إن حفريات باركر كانت بمثابة أول محاولة للتسلل أسفل ساحات المسجد الأقصى المبارك بإجراء بعض الحفريات بحثاً عن كنوز الملك سليمان المزعومة، الأمر الذي اعتبر مساساً بالمشاعر الدينية واعتداء سافراً على المقدسات الإسلامية، مما أغضب أهل المدينة وعلى أثر شكواهم واحتجاجهم جرى ترحيل الكابتن باركر من فلسطين.
وفي مسعى لاحتواء الأزمة المتفجرة في القدس وتداعياتها قررت الحكومة المركزية في الآستانة إرسال لجنة تحقيق إلى المدينة تولى تشكيلها كل من ناظر (وزير) الحربية، وناظر (وزير) الداخلية، وناظر (وزير) العدلية؛ وذلك في إشارة واضحة إلى أن الدولة العثمانية كانت تنظر إلى هذه القضية على أنها تنطوي على خطورة كبيرة.

وقد ضمت لجنة التحقيق في عضويتها كلاً من مرعي باشا الملاّح مدير أوقاف ولاية حلب، وأمير اللواء هاشم باشا قائد موقع حيفا، وعمر عزمي بك متصرف لواء طرابلس الشام.
قدّمت لجنة التحقيق الرسمية تقريرها في عشر صفحات بتاريخ 13 أيار/ مايو من العام 1911 المتضمن التأكيد على عدم وقوع سرقة مزعومة لكنوز الملك سليمان في الحرم القدسي الشريف لانتفاء وجودها أصلاً، وتحميل عزمي بك، كونه متصرفاً للقدس، المسؤولية عن الإخفاقات وعزله من منصبه، وتلقى السدنة والجندرمة رشى من أجل غض النظر عن أعمال بعثة التنقيب، وتعيين شيخ جديد للحرم، وإقالة سامي بك قائد الدرك من منصبه من جملة موظفين كباراً آخرين، وتوجيه توبيخ رسمي إلى المفوضين العثمانيين- وكانا من أعضاء الحكومة الاتحادية المركزية بالآستانة- اللذين قاما برعاية البعثة وتوليا الإشراف على عملها رسمياً. وكذلك بوقف جميع أعمال التنقيب الأثري في القدس على الفور، والتي كان سكان القدس العرب على اختلاف انتماءاتهم الدينية ينظرون إليها على أنها نشاط ينطوي على التدنيس ويسعى إلى اختراق سر مقدساتهم الدينية بأساليب عدوانية صارخة.

وهكذا، أُجهضت أولى المحاولات البريطانية-الصهيونية للتسلل أسفل ساحات المسجد الأقصى، كذلك فقد كان للإجراءات الحازمة التي اتخذتها لجنة التحقيق أبلغ الأثر في استقرار الأوضاع في القدس وعودة الهدوء إليها.

وكان من شأن هذه القضية الخطيرة أن أفرزت توترات سياسية أصابت العلاقات القائمة بين الإمبراطورية العثمانية وبريطانيا في الفترة التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الأولى.


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية