فضيحة مخطوط ” جورج سيمنون ” لـ: سعد فنصة

سعد فنصة
كاتب ومؤرخ ومصور سوري

أثار التحقيق الذي افتتحه ” بيير أسولين” في فضيحة مخطوط “جورج سيمنون” ومذكراته الخاصة بسيرته الذاتية .. أثار ذلك المخطوط .. ضجة كبرى في الاوساط الادبية قبل بضع سنوات، بالأخص الجانب الذي يمس حياة الاديب الكبير “سيمنون”.

فلاشيء يدعو للغموض ويثير الدهشة في الادب ، أي أدب حر في العالم أجمع ، مثل التناقض المحسوس بين حياة الكتاب المشاهير ، الخاصة ، وسيرتهم الذاتية ، بين انتاجهم الادبي الاخلاقي الرفيع المستوى ، الملئ بالفضائل والمآثر ، الطافح بالمثاليات والاحلام ، المحشو بأعذب الكلمات وأرق الالحان وبين سلوكهم الحقيقي … حتى أن أدبنا العربي ، قديمه وحديثه ، لايخلو من هذه الظاهرة الخطيرة ، بدءا من الشعر الجاهلي وعنتريات عنترة بن شداد ولا استثناء بالمتنبي ، الذي كان يقول : الخيل والليل والبيداء .. تعرفني .. الخ ..بينما كان غارقا في ملذاته الدنيوية التي أغدقها عليه الحكام والقادة ، وأشعار أحمد شوقي ، أمير الشعراء ومداح السلاطين والخديوات ، وحافظ ابراهيم الذي كان يخاف من ظله ، ويخشى أن يداهمه الموت في أية لحظة .. وقصائده الوطنية الجريئة جدا .. وحتى نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل للسلام لايزال عند بعضهم من المشكوك في أمره مسلكيا ، خصوصا من المتشددين الاسلاميين .. !

كذلك الحال في الادب الفرنسي بأدبائه المشاهير .. من “لامارتين” الذي أشتهر بأدبه النقي ، و لا يتورع عن التحرش بخادمة من خادماته ، الى مؤلف ” الفضيلة ” – بول و فرجيني – الذي أشتهر بحياته كأفاق مغامر ، عرف عنه بأنه من كبار صناع الرزيلة في عصره ، الى “فيكتور هوغو ” العجوز المتصابي .. الى “بلزاك ” الهارب من دائنيه من بابه الخلفي ..
وسواهم كثر على هذه الشاكلة كذلك في مختلف الاداب العالمية واضرب على ذلك مثلا “تولوستوي” رسول السلام ومؤلف ” الحرب والسلام ” والذي هجر بيت الزوجية لينام على أرصفة السكك الحديدية ..
و”ديستوفسكي “عملاق الادب الروسي ، المصاب بالصرع ، التائه الضائع .. و”شكسبير” غير المعروف منبته .. ومنيته والذي لايزال كثير من الباحثين يتشككون في أصل مسرحياته ، أهما من صنعه أم من صنع كاتب آخر، مغمور عفا عليه الاهمال والنسيان ..
والغريب أن موسوعة رصينة ، كالموسوعة العربية الميسرة ذكرت بأنه يرجح المؤرخون عن حياته أن يكون من أصول عربية مشرقية، اذ كان يكنى بالشيخ أسبر. و”غوته” عملاق الادب الالماني الحر .. المعروف عنه تصابيه ونشاطه الغرامي المريب، مع الفتيات الصغيرات، و”همنغواي ” عملاق الادب الامريكي المعاصر .. وصاحب الكثير من الروايات الخالدة ليس أهمها “لمن تقرع الاجراس” ، الذي أشتهر بمغامراته ونزقه ، و لايزال الباحثون في سيرته الذاتية يعجبون من أمر امرأته المسكينة .. وكيف أنها تحملته ، واحتضنته ومنعته من التورط في أمور لا أخلاقية .!!
أما “سيمنون” صاحب أضخم نتاج أدبي.. بوليسي ، مر في تاريخ الادب الحديث اذ ينوف رصيده الهائل عن 500 قصة ورواية ، من مستوى رفيع ، كان حلمه الأوحد طيلة حياته ، زيارة مواخير الدنيا قاطبة ، ومضاجعة كل عاهرات العالم بأساليب غريبة ، ومبتكرة ، ويحاول الكاتب ” أسولين “عبثا اماطة اللثام عن السر الكامن في حياة هذا الاديب .. وسلوكه العبثي ، واستعان بمحللين نفسيين ..قال بعضهم أن وراء هذه الظواهر مركبات نفسية ذات طابع “فرويدي” والبعض أرجح أنها ذات منشأ وراثي ، ومنهم من يقول إن وراء كل عبقرية .. ابداعية خلفية من الجنون ، أو بعض المس، أو الشذوذ الفطري .. والاضطراب النفسي الجنسي ، منذ الصغر .
فما الذي يمكنكم قوله أنتم ..!!


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية