
في زمننا هذا، حيث تتسارع وتيرة المعلومات وتتداخل الأصوات، يجد المرء نفسه أحيانًا أمام خيار لا مفر منه: هل يفتح باب الحوار أم يغلقه؟
قبل أن أقحم نفسي في نقاش، أتساءل دائمًا: هل من أتحدث إليه قادر على رؤية ما أراه، أو على الأقل مستعد للتفكير فيه؟
هل لديه القدرة على التفكير خارج حدود قناعاته؟ إذا كانت الإجابة بالنفي، فأدرك سريعًا أن الاستمرار في الحديث لن يؤدي إلا إلى استنزاف الطاقة الذهنية دون أي فائدة ملموسة.
يتميز الحوار المثمر بالانفتاح والتفاعل البنّاء، حيث يسعى كل طرف لفهم الآخر، حتى لو انتهى الأمر باختلاف وجهات النظر. في المقابل، هناك من ينشغل بصياغة ردوده أثناء الاستماع، لا ليعي ما يُقال، بل ليؤكد موقفه الذي لا يتغير. هؤلاء محاصرون داخل قناعاتهم، غير مستعدين للنظر خارجها، مما يجعل التواصل معهم بلا جدوى.
ليس كل حديث يستحق أن نخوضه، فقد صادفت أشخاصًا يستمعون لا بهدف الفهم، بل فقط لإعداد رد يثبت صحة موقفهم
الرصانة لا تعني السعي لكسب كل نقاش، بل معرفة متى يكون من الأفضل التوقف. ليس كل مواجهة تستحق الجهد، فالتوازن الداخلي والحفاظ على الطاقة الفكرية أهم بكثير من محاولة إثبات وجهة نظر أمام شخص غير مستعد للاستماع.
في بعض الأحيان، يكون الخيار الأكثر حكمة هو التراجع بهدوء. لا لأن الحجج ضعيفة، بل لأن هناك بيئات أكثر نضجًا وتقبلًا يمكن أن تُستثمر فيها الأفكار بشكل أفضل. التواصل الحقيقي يتطلب استعدادًا متبادلًا، وليس فرضًا للرأي على من يرفض النظر إلى زوايا جديدة.
إن إدارة الحوار بذكاء تعني معرفة متى نتحدث ومتى نصمت، ومتى نستثمر أفكارنا في سياق قادر على استقبالها والتفاعل معها بجدية. فالابتعاد عن نقاشات عقيمة لا يعني الاستسلام، بل هو تعبير عن احترام الذات، واختيار واعٍ لتوجيه الطاقة نحو ما يستحقها بالفعل.