كانت إيران تحلم بتحويل سوريا إلى مركز نفوذ اقتصادي وسياسي في الشرق الأوسط، مستلهمة من خطة مارشال الأمريكية التي أعادت بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
وثائق سرية تم العثور عليها في سفارة إيران المنهوبة في دمشق تكشف تفاصيل خطة طموحة لإعادة إعمار سوريا بقيمة 400 مليار دولار، لكنها تُظهر أيضًا كيف أدت العقوبات الغربية، الفساد المحلي، والهجمات المسلحة إلى انهيار هذه الطموحات مع سقوط النظام البائد وفرار بشار أسد إلى روسيا في ديسمبر 2024.

طموحات إيران الإمبراطورية في سوريا
كانت إيران تطمح إلى تحويل سوريا إلى مركز نفوذ اقتصادي وسياسي تحت سيطرتها، مستلهمة نموذج “خطة مارشال” الأمريكية. هذه الخطة، التي أطلقتها الولايات المتحدة في 1948، قدمت مليارات الدولارات لإعادة إعمار أوروبا المدمرة بعد الحرب العالمية الثانية، مما جعل الدول الأوروبية تعتمد على واشنطن اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا، ويعزز هيمنتها العالمية. وفقًا لوثيقة إيرانية رسمية مؤرخة في مايو 2022، أعدتها وحدة سياسات اقتصادية في دمشق، خططت طهران لتكرار هذا النموذج في سوريا من خلال استثمارات ضخمة بقيمة 400 مليار دولار لإعادة إعمار البلاد المدمرة بالحرب. الهدف كان واضحًا: جعل سوريا دولة تابعة لإيران، تعتمد عليها اقتصاديًا وسياسيًا، وتكون حليفًا مواليًا في “محور المقاومة” ضد إسرائيل والغرب. الوثيقة، التي عُثر عليها في سفارة إيران المنهوبة في دمشق، تكشف عن رؤية لبناء إمبراطورية اقتصادية، مع تعزيز النفوذ على حليفها السوري، لكن هذه الطموحات تحطمت بسبب العقوبات الغربية، الفساد المحلي، والهجمات المسلحة.
![]() | ![]() |
A Hayat Tahrir al-Sham fighter holds a defused C-4 bomb that was found at the Iranian embassy in Damascus. REUTERS/Amr Alfiky | Bits of paper line the staircase of the Iranian embassy in Damascus. REUTERS/Amr Alfiky |
خطة مارشال إيرانية: رؤية لم تتحقق
كانت الخطة تتضمن استثمارات ضخمة، مثل محطة طاقة بقيمة 411 مليون يورو في اللاذقية، وجسر سكة حديد على نهر الفرات بقيمة 26 مليون دولار، ومشروع استخراج نفط في الصحراء الشرقية. لكن هذه المشاريع توقفت أو هُجرت بسبب نقص التمويل، الهجمات العسكرية، والفساد المحلي. على سبيل المثال، انهار جسر الفرات تحت غارة جوية أمريكية ولم يُصلح أو يُدفع ثمنه بالكامل.

تُظهر الوثائق أن ديون سوريا للشركات الإيرانية بلغت 178 مليون دولار على الأقل من هذه المشاريع وحدها، بينما قدّر نواب إيرانيون سابقون إجمالي ديون حكومة الأسد لإيران بأكثر من 30 مليار دولار.
نهب السفارة يكشف أسرار الاستثمارات الفاشلة
زار مراسلو رويترز السفارة الإيرانية في دمشق بعد سقوط الأسد، حيث وجدوا وثائق متناثرة تكشف عن تفاصيل الاستثمارات الفاشلة. شملت هذه الوثائق عقودًا تجارية، خططًا اقتصادية، ورسائل تُبرز الإحباط من تأخير المدفوعات والبيروقراطية السورية. كما عُثر على عبوة متفجرات C4 وخزنة في المبنى، مما يُشير إلى التوترات الأمنية التي رافقت الوجود الإيراني.
تحديات مالية وأمنية عطلت المشاريع
واجهت الشركات الإيرانية، مثل مابنا وكوبر وورلد، عقبات كبيرة. عانت مابنا، التي كانت تبني محطة طاقة في اللاذقية، من تأخير المدفوعات، تقلبات العملة، وفساد المقاولين السوريين المرتبطين بعائلة أسد . كما خسرت كوبر وورلد ملايين الدولارات بسبب سرقة شحناتها وتلاعب شركات تحويل الأموال السورية بأسعار الصرف.
كنت قد أسست حياة في سوريا. لقد اختفى ذلك
حسن شاخصي، تاجر إيراني
قال حسن شاخصي، تاجر إيراني خسر 16 مليون يورو في شحنة قطع غيار سيارات: “كنت قد أسست حياة في سوريا، لكن كل شيء اختفى. الآن عليّ البحث عن فرص في مكان آخر”.

رجل إيران في سوريا
في قلب الجهود الإيرانية لتنفيذ خططها الاقتصادية في سوريا، برز عباس أكبري، مدير إنشاءات من الحرس الثوري الإسلامي. في مارس 2022، تم تعيينه بحفاوة لقيادة “المقر الرئيسي لتطوير العلاقات الاقتصادية بين إيران وسوريا”، وهي وحدة مكلفة بتعزيز التجارة واسترداد الاستثمارات الإيرانية. أشرف أكبري على إعداد الدراسة التي استلهمت خطة مارشال، واستعان بزملاء من الحرس الثوري لدعم الخدمات اللوجستية لمشاريع مدنية. وثائق عُثر عليها في السفارة الإيرانية المنهوبة، بما في ذلك رسائل موقعة من أكبري، تكشف تفاصيل المشاريع التي دعمها والأموال التي أُنفقت. بالقرب من هذه الوثائق، عثر مقاتلون يحرسون المبنى على خزنة وعبوة متفجرات C4، مما يعكس التوترات الأمنية التي رافقت الوجود الإيراني. لم يرد أكبري على طلبات التعليق من رويترز، لكن دوره يكشف عن طموح إيران لإدارة استثماراتها في سوريا بعقلية عسكرية وتجارية في آن واحد.

سقوط النظام البائد وفرار بشار وانهيار النفوذ الإيراني
جاء سقوط النظام البائد في وقت حرج لإيران، التي أضعفتها ضربات إسرائيل ضد وكلائها الرئيسيين، ميليشيا حزب الله وحركة حماس. كما يواجه النظام الإيراني ضغوطًا من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتفاوض بشأن برنامجه النووي.
الشعب السوري لديه جرح تسببت فيه إيران، ونحتاج إلى الكثير من الوقت للشفاء
الرئيس السوري ، أحمد الشرع
قال الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع: “الشعب السوري لديه جرح تسببت فيه إيران، ونحتاج إلى وقت طويل للشفاء”. تعكس هذه التصريحات التحديات التي تواجه الحكومة السورية الجديدة، التي تكافح لإعادة بناء بلد مدمر مع مشاريع بنية تحتية متوقفة.