ضُربت شركة BlackRock، عبر قسم الائتمان الخاص التابع لها وعدد من المقرضين العالميين، بما وصفوه بأنه عملية احتيال “مذهلة” بلغت قيمتها 500 مليون دولار، بحسب تقرير حصري نشرته صحيفة وول ستريت جورنال.
المتهم الرئيسي هو بانكيم برامبهات، رجل أعمال من أصل هندي يُفترض أنه يمتلك شركتين أمريكيتين في قطاع الاتصالات هما Broadband Telecom وBridgevoice، وهما شركتان يُزعم أنهما تقدمان خدمات وبنية تحتية لشركات الاتصالات الأخرى.
وكشفت تحقيقات الصحيفة أن برامبهات متهم بتزوير فواتير العملاء، وتلفيق مراسلات بريد إلكتروني، وصناعة عقود وهمية معقدة تعود إلى عام 2018، بهدف الحصول على مئات ملايين الدولارات كقروض من مستثمرين في الائتمان الخاص.
وقد رفع المقرضون دعوى قضائية في أغسطس، زعموا فيها أن شركات برامبهات مدينة لهم بأكثر من 500 مليون دولار، مشيرين في مذكرات قضائية إلى أنه “أنشأ ميزانية عمومية معقدة لأصول موجودة فقط على الورق”.
كيف كانت تعمل الخدعة
تمحور الاحتيال حول التمويل القائم على الأصول — وهو هيكل إقراض يقدّم فيه المقترض مدفوعات العملاء المستقبلية أو الذمم المدينة كضمان. وزعمت شركات برامبهات أنها تموّل الذمم المدينة لشركات اتصالات دولية كبرى، من بينها T-Mobile وTelstra وTelecom Italia Sparkle، وفقًا لتقرير وول ستريت جورنال.
إلا أن المحققين اكتشفوا لاحقًا أن هذه العقود والفواتير كانت مفبركة بالكامل.
وأوضحت الصحيفة أن برامبهات ذهب إلى أبعد الحدود في الحفاظ على الخداع، إذ أنشأ نطاقات بريد إلكتروني مزيفة تُحاكي أسماء شركات اتصالات حقيقية، مما أتاح لفريقه إرسال تأكيدات مزورة مباشرة إلى المقرضين.
وقد استعان المقرضون بمدققين من شركتي Deloitte ولاحقًا CBIZ لإجراء عمليات تحقق، غير أن البنية المزيفة المحكمة أفلتت في البداية من الاكتشاف.
وبحسب الصحيفة، بدأت شركة HPS Investment Partners التابعة لـ BlackRock في إقراض إحدى شركات التمويل المرتبطة بمشاريع برامبهات في سبتمبر 2020.
ثم توسعت الاستثمارات لتصل إلى نحو 385 مليون دولار في أوائل عام 2021، قبل أن ترتفع إلى حوالي 430 مليون دولار في أغسطس 2024. وكشف مصدر مطلع للصحيفة أن بنك BNP Paribas الفرنسي موّل ما يقرب من 50 في المئة من القروض الممنوحة لشركة Carriox Capital والشركات المرتبطة بها.
انهيار عملية الاحتيال المزعومة
بدأ المخطط بالانهيار في يوليو 2025، عندما لاحظ موظف في HPS مخالفات في بعض عناوين البريد الإلكتروني أثناء عمليات التحقق الدورية، إذ تبين أن العناوين صادرة من نطاقات مزيفة تحاكي شركات اتصالات حقيقية.
وعندما عبّر المقرضون عن قلقهم، طمأنهم برامبهات في البداية بأنه “لا داعي للقلق”، وفقًا للصحيفة، ثم توقف عن الرد على المكالمات الهاتفية تمامًا.
كما نقل التقرير عن مسؤول في HPS أنه زار مكاتب برامبهات في “غاردن سيتي” بولاية نيويورك، فوجدها مغلقة ومهجورة. وعندما زارت صحيفة وول ستريت جورنال المكان يوم الأربعاء، 30 أكتوبر، ظل المكتب شاغرًا، وأكد المستأجرون المجاورون أنه لم يدخل أحد إليه منذ مدة.
وفي منزل مسجّل على أنه عنوان إقامة برامبهات، وجدت الصحيفة في الممر سيارتي BMW، وبورشه، وتسلا، وأودي متوقفة إلى جانب طرد مغطى بالغبار عند الباب الأمامي.
تفاصيل أكثر صادمة
كشفت تحقيقات الصحيفة عن مزيد من التفاصيل المروّعة. فقد أكدت شركة الاتصالات البلجيكية BICS، في رسالة موجّهة إلى مكتب المحاماة Quinn Emanuel — الذي استأجرته HPS للتحقيق — أنها لا علاقة لها إطلاقًا بالبريد الإلكتروني الذي قدمته شركات برامبهات، ووصفت ذلك بأنه “محاولة احتيال مؤكدة”، وذلك منذ يوليو الماضي، وفقًا للصحيفة.
كما أظهرت المراجعات اللاحقة أن كل رسالة بريد إلكتروني تخص العملاء على مدى العامين الماضيين كانت مزيفة، إلى جانب عقود مزورة تعود إلى عام 2018، وفقًا للوثائق القضائية التي استندت إليها وول ستريت جورنال.
الإفلاس والنهاية
بحلول آب/أغسطس 2025، قدمت شركات برامبهات للاتصالات — وهي Broadband Telecom، Bridgevoice، Carriox Capital II، وBB Capital SPV — طلبات إفلاس جماعية. كما أعلن برامبهات إفلاسه الشخصي في اليوم نفسه الذي طلبت فيه شركاته الحماية بموجب الفصل 11 من قانون الإفلاس الأمريكي، وفق ما لاحظه المحققون.
وتتهم الدعوى القضائية برامبهات أيضًا بأنه حوّل الأصول التي كان يفترض أن تُرهن كضمان إلى حسابات خارجية في الهند وموريشيوس.
ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة أن المقرضين يعتقدون أن برامبهات موجود حاليًا في الهند. وقد نفى محاميه جميع اتهامات الاحتيال الموجهة إليه.
ورغم أن 500 مليون دولار قد لا تمثل سوى مبلغ ضئيل مقارنة بحجم أصول BlackRock المالية، إلا أن هذه القضية قد تفتح الباب أمام تدقيق واسع النطاق في ممارسات العناية الواجبة داخل أسواق الائتمان الخاصة، خاصة مع التوجه المتزايد نحو الإقراض المدعوم بالأصول.







ماهر حمصي