الواشنطن بوست: إدارة بايدن لم تعد تبدي اهتماما بالملف السوري


يبدو بأن إدارة بايدن قد نسيت أمر سوريا هذه الأيام، لأن التحركات الوحيدة التي قامت بها حيالها مؤخراً أتت على شكل استجابة للزلزال المدمر الذي وقع في شهر شباط الماضي، أو رداً على الهجوم الذي حدث منذ فترة قريبة والذي نفذته مسيرة إيرانية ضد قوات أميركية، ما يعني بأن الإدارة الأميركية قد تنازلت لموسكو عن القيادة الدبلوماسية وغضت الطرف عن ترحيب دول الخليج بعودة نظام الأسد إلى الحظيرة الدبلوماسية. أما بالسر، فقد ذكر كثير من المسؤولين لدى إدارة بايدن بأن كل ما في الأمر هو أنهم لا يجدون أي خير في الخيارات الموجودة أمام السياسة الأميركية.

بيد أن كل هذا الكلام مجرد هراء، إذ هنالك العديد من الأمور التي يمكن للحكومة الأميركية بل يجب عليها أن تفعلها لتمنع تحول المصيبة السورية إلى ما هو أدهى وأمر. إذ خلال هذا الأسبوع، قام العشرات من المسؤولين الأميركيين السابقين والخبراء ومديري المنظمات السورية بتوجيه رسالة إلى الرئيس بايدن ووزير خارجيته أنطوني بلينكين، وهذه الرسالة تشتمل على قائمة طويلة من الأمور التي ينبغي على الإدارة الأميركية القيام بها على الفور، وقد شرح الموقعون على تلك الرسالة مدى أهميتها، حيث جاء فيها: “لم يتم حل أي من المشكلات التي تسببت بقيام النزاع في سوريا، وعلى رأسها جرائم نظام الأسد، وعجزه عن القيام بإصلاحات أو رفضه للقيام بها، ثم إن الكثير من أعراض النزاع قد ساءت حالاً، بدءاً من المعاناة البشرية، مروراً بالاتجار بالمخدرات على مستوى كبير، وموجات اللجوء، والإرهاب، والنزاع الجيوسياسي والحزازات العرقية والطائفية”.

أي بمعنى أصح، سترتكب واشنطن خطأ فادحاً إن ظنت بأن سماحها للجهات الفاعلة الإقليمية بإعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع بشار الأسد لابد أن يفضي لنشر المزيد من الاستقرار، إذ علق من كتبوا تلك الرسالة على هذه النقطة بالقول: “الأزمة السورية معقدة، بيد أن التطبيع غير المشروط مع النظام ليس بالأمر المحتوم”.

زعمت الإدارة الأميركية بأن سياستها المعارضة للتطبيع مع الأسد “قد بقيت على حالها من دون أي تغيير”، بيد أن السوريين لم يصدقوا كل ذلك، بل أكدوا بأن التصريحات الأخيرة الصادرة عن مسؤولين لدى إدارة بايدن ترقى لموافقة ضمنية منحت لمن يفترض بأنهم شركاء للولايات المتحدة، حتى يقوموا بالتطبيع مع الديكتاتور في سوريا. إذ على سبيل المثال، صرحت بربارة ليف وهي أهم مسؤولة عن ملف الشرق الأوسط لدى وزارة الخارجية الأميركية، في 9 آذار الحالي بأن: “رسالتنا الأساسية تقوم على فكرة أنكم في حال قررتم التعامل مع النظام، فاحصلوا على شيء مقابل ذلك”.


في 19 مارس ، استقبل حاكم الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد آل نهيان الأسد في أبو ظبي بتحية 21 طلقة ، رمزية مزعجة بشكل خاص في الذكرى الثانية عشرة للانتفاضة السورية. ولم يكن هناك ما يشير إلى أن الإمارات ربحت أي مزايا للشعب السوري مقابل الزيارة. وامتنعت وزارة الخارجية عن انتقاد هذه الخطوة.

قال معاذ مصطفى ، المدير التنفيذي لمجموعة الطوارئ السورية ، وهي مجموعة مساعدات أميركية سورية موالية للمعارضة: “إدارة بايدن خذلت الشعب السوري”. “إن خطر تهاون إدارة بايدن ودعمها الكامن للتطبيع مع الأسد هو أنها ستدعو دكتاتوريين آخرين لاتباع نفس السياسات.”

تجاهلت وزارة الخارجية الأميركية إلى أبعد الحدود أهم سلاح لديها لعزل الأسد، ألا وهو قانون قيصر الذي يجيز فرض عقوبات على أي شخصية أو كيان يدعم حكومة النظام، إذ لم تستخدم أميركا هذا السلاح سوى لمرة أولى ووحيدة خلال هذا الأسبوع وذلك ضد تجار المخدرات، ما يعني بأن بلينكين لم يف بوعوده، بعدما تعهد خلال الحملة الانتخابية في عام 2020 بأن إدارة بايدن ستعمل على تطبيق قانون قيصر بشكل كامل. وهذا ما دفع القائمين على لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي، ولجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس النواب، إلى توجيه رسالة لبلينكين خلال الأسبوع الماضي، ليعبروا من خلالها عن أسفهم لحال “هذه الوتيرة البطيئة المخيبة للآمال بالنسبة لفرض العقوبات” بموجب قانون قيصر.

إذ أعرب السيناتور روبرت مينينديز رئيس لجنة العلاقات الخارجية عن أسفه لعدم وجود استراتيجية شاملة تجاه سوريا لدى إدارة بايدن، وحث بايدن وبلينكين على أخذ قائمة التوصيات التي وضعها الخبراء بهذا الشأن بعين الجدية، إذ نصح هؤلاء الخبراء بزيادة حجم المساعدات ووصولها إلى المناطق المحررة، مع تكثيف الدبلوماسية، وإعادة العلاقات مع تركيا، ومعالجة أزمة المعتقلين من التابعين لتنظيم الدولة، ومواصلة الضغط على الأسد لوقف جرائمه المتواصلة، مع السعي لمحاسبته.

أما تشارلز ليستر وهو عضو رفيع لدى معهد الشرق الأوسط وأحد من ساهموا في تنظيم القائمة التي أرسلت لبايدن وبلينكين، فقد ذكر بأن الموقعين عليها لا يتوقعون من الإدارة الأميركية أن تقرر فجأة زيادة تدخلها في سوريا، لكننا نجافي الصواب إن تحدثنا عن انعدام الخيارات الجيدة في هذا المضمار، ولهذا يعلق ليستر بالقول: “ينبغي ألا تتم الأمور بهذه الطريقة، صحيح أن أيام الضغط على نظام الأسد حتى يرحل قد ولت منذ أمد بعيد، إلا أنه ماتزال هنالك الكثير من الأمور الأخرى التي بوسعنا القيام بها لنخلف أثراً مفيداً وفعالاً بالنسبة للولايات المتحدة وللشعب السوري”.

من المغري لأي إدارة أميركية أن ترفع يدها عندما يتعلق الأمر بسوريا. لكن الاستراتيجية الحالية للإهمال السلبي ليست مستقرة ولا مستدامة. إذا استمرت الاتجاهات الحالية ، فسيتم إحياء تنظيم الدولة الإسلامية ، وستمتد التوترات بين القوات المدعومة من تركيا والقوات المدعومة من الأكراد في شمال سوريا إلى المزيد من إراقة الدماء. ستوسع إيران وروسيا نفوذهما. سيعاني ملايين السوريين النازحين داخليًا ولن يعود ملايين اللاجئين إلى ديارهم أبدًا. سيستمر الشركاء الخليجيون في التقرب من الصين . الأسد سيستمر في الذبح. وسيتعلم القتلة الجماعيون في المستقبل أنه لا توجد مساءلة في انتظارهم.

من الصعب أن نتخيل أن سوريا يمكن أن تزداد سوءًا – لكن يمكن أن يحدث ذلك وسيحدث إذا استمر تضاؤل ​​اهتمام الولايات المتحدة وانخراطها. إن افتقار إدارة بايدن للاستراتيجية لا يعفيها من المسؤولية عن العواقب القادمة لتقاعسها عن العمل.


Josh Rogin

The Washington Post


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية