الحديث عن اغتيال التاريخ والحضارة والإنسان …لـ: سعد فنصة

سعد فنصة
كاتب و مؤرخ و مصور سوري

في العام 2001 أوفدتني وزارة الثقافة السورية لتمثيل سورية في معرض وثائقي عن القدس في دار الأوبرا المصرية .. في العام 2004 مثلت سورية للمرة الثانية في القاهرة خلال مؤتمر المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، التقيت خلالها بمدراء المتاحف من كل الدول العربية، بعد انتخابي نائبا لرئيس المؤتمر باسم بلدي سورية، ومن بين من التقيت بهم مدير هيئة الآثار الفلسطينية ومقرها في بيت لحم، وسلمني مجموعة من الوثائق عن التعديات الإسرائيلية للآثار العربية في فلسطين المحتلة..

في العام 2009 أقمت بدمشق ندوة ومعرض عن القدس عرضت فيها الصور الوثائقية والمعلومات الغزيرة التي سلمتني إياها دائرة الآثار الفلسطينة.. ولأهمية هذه القضية المثارة اليوم في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حول قضية تهويد القدس أعيد نشر وثيقة واحدة فقط من هذه الوثائق التي قدمها ألي مدير متحف بيت لحم.

مخطط مدينة القدس عام 1870
القدس من جبل الزيتون في صورة وثائقية لمستشرق فرنسي 1860

الحديث عن اغتيال التاريخ والحضارة والإنسان ليس مجرد حديث يؤلب المواجع واحدا تلو الآخر, ولا حديث فارغ المحتوى كما يحلو لبعض المستشرقين والمستغربين أن يصفوه, بل هو حديث عن مصادرة الآخر واستلابه وماضيه وحاضره ومستقبله, وهو ما كان أحد أهم أدوار الاستعمار, وأكثر مميزاته في العصور قديمها وحديثها.

فقد حاولت كثير من الحضارات المتوالية والدول الكبرى إلى تنصيب نفسها في أعلى الهرم الحضاري, وتنصيب نفسها فوق الإنسان فكرا وقيما ونتاجا , وكان لا بد لها حتى تصل إلى مرادها هذا, هدم أو سرقة نتاجات الحضارات الأخرى حتى تقول للبشرية أنا الحضارة الأولى, أنا القيمة الأولى, أنا الماضي والحاضر والمستقبل, إلا أن المثل العربي القديم الذي يقول (دوام الحال من المحال) صادق حين كانت كل دولة عظيمة وحضارة كبيرة تنتهي على يد أخرى لتدمرها وتصادر ماضيها وحاضرها وتغتال كل نتاجاتها بيد من حديد وهكذا دواليك.
 وإذا نظرنا إلى التاريخ القديم والمعاصر سنجد أن الخطوة الأولى في اغتيال التاريخ الحضاري لأي دولة أو حاضرة هو تدمير ما صنعته وخلّفته أو سرقته وتحويله بغمضة عين إلى ملك خاص أو كدليل فخر على الانتصار. وحتى نكون منصفين وموضوعيين كانت الحضارة الحاضرة (الإسلام) بمنأى عن ذلك في معظم الأحيان إذا ما أخذنا بعين الاعتبار وجود بعض التصرفات الفردية التي كانت بعيدة عن روح الإسلام الذي دعا في كثير من المواضع إلى المحافظة على آثار السابقين وذلك لفهم أن دوام الحال من المحال.
 بعد هذه المقدمة نستطيع الوصول إلى الاستعمار الحديث الذي حاول منذ أن وطأت قدماه الأرض العربية اغتيال التاريخ العربي ومصادرة هويته, ومحو آثاره وسرقتها, وبالرغم من أن الاستعمار خرج خال الوفاض من هدفه الذي جاء لأجله (محو الهوية العربية) إلا أنه أوكل تلك المهمة إلى كيان اغتصب الأرض والإنسان والتاريخ ولم يتوقف عن ذلك منذ الاحتلال عام 1948, ولليوم ما تزال إسرائيل تحاول استهداف التاريخ العربي من المحيط إلى الخليج, تسرق آثاره, تشوهه, وتدمره…الخ. وهذه السطور تلخص ما سرقته يد الإسرائيليين امتدادا من فلسطين مرورا وسورية مصر وانتهاء بالعراق.

إسرائيل وسرقة الآثار الفلسطينية

 وفّر غنى فلسطين بشكل خاص بالآثار والمواقع الأثرية توثيقاً لحضارة امتدت عبر التاريخ، بناها العرب القدماء، وفي محاولة لتغيير تلك الثوابت التاريخية، دأبت إسرائيل على محاولة إلغاء التاريخ وإيجاد شرخ بين المكان والزمان والفعل الحضاري وإلغاء حق الإنسان في أرضه وتراثه وثقافته، وتدمير آثاره، ضاربة بعرض الحائط الشرعية الدولية لحقوق الإنسان وكل المواثيق والمعاهدات والاتفاقات الدولية.
 المخطط غير المعلن من قبل سلطات الاحتلال لنهب وتدمير التراث الحضاري وتسويقه في أرجاء العالم على أنه تراث يهودي لإعطاء الشرعية في كل ما تفعل، ومنح نفسها الحق في هذه الأرض المحتلة، وضع بشكل دقيق بالتوازي مع الاعتداءات اليومية التي تمارس ببشاعة لم يشهد لها العالم مثيلاً، على المدنيين الفلسطينيين.
 وفي المقابل، تمت مواجهة هذه الادعاءات بشكل متواصل، وإن تعامدت ظروف معينة داخلياً وخارجياً عرقلت الجهود المبذولة، ولكنها لم تمنع من استمرارها في طريقها.
 في البداية يظن كثيرين أن استهداف الآثار الفلسطينية كان بُعيد الاحتلال الإسرائيلي إلا أن الحقيقة تقول غير ذلك فالاستهداف بدأ منذ بداية القرن الثامن عشر وجاء على شكل مستشرقين يهود قدموا من عدد من الدول الأوروبية هدفهم تسويق فكرة أن الأرض الفلسطينية هي أرض الميعاد وأرض الحدث التوراتي وذلك عبر القيام بحفريات في عدد من المناطق الفلسطينية تحدث عنها التوراة وتوجت هذه الحملات الاستشراقية في العام 1867على يد المهندس الإنكليزي تشارلز وارين الذي قام بحفريات محدودة في القدس ،وكانت هذه الحفريات عبارة عن حفر عامودية حفرها وارين خارج سور المسجد الأقصى بسبب منع السلطات العثمانية له، هذه الحفر العمودية كانت أفقية من الأسفل حيث كان وارين يحاول البحث عن ما يدعى بهيكل سليمان, وقام وارين بسرقة عدد من الفخاريات وجدها في منطقة الحفر وادعى لاحقا أنها فخاريات يهودية, أصدر وارين كتابا صدر في لندن عام 1876 Underground Jerusalem ادعى فيه أن هيكل سليمان المزعوم تحت المسجد الأقصى .
 يقول الحاخامات اليهود أو آثاريي إسرائيل ليوم أن النفق ذاته الذي حفره وارين هو النفق الذي سيؤدي إلى الكشف عن مدينة داوود القديمة حيث الهيكل المزعوم، وأن الفخاريات التي سرقها وارين من القدس هي فخاريات تثبت أن لليهود حق في القدس، وهذا الادعاء فنده آثاريون ومؤرخون عرب وإسرائيليون مؤخراً.
 أما هرتزل مؤلف كتاب الدولة اليهودية فقد دعا عدة مرات في كتابه إلى محو آثار القدس وتدمير معالمها الإسلامية والمسيحية فهو يقول 0 أما هرتزل فنظر إلى القدس على أنها مكان للقذارات والعفونة وحلم بمستقبلها الذي يزال منه كل ما ليس مقدسا يهوديا فيقول ( إذا ما حصلنا على القدس يوما … فسأبدأ بتنظيفها قبل كل شيء سأبدأ بإزالة كل ما ليس مقدسا وسأقيم بيوت العمال خارج المدينة وأفرغ أعشاش القذارات وأهدمها – إشارة إلى الكنائس والمساجد – وأحرق الآثار العلمانية وأنقل الأسواق إلى غير مواضعها الآن وعندها أبقي على النمط المعماري القديم بقدر الإمكان وأبني حول الأماكن المقدسة مدينة مريحة منشرحة الصدر )
 لم تتوج كل المحاولات الإسرائيلية في سرقة الآثار الفلسطينية ومحو هويتها إلا بعد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين فبعد إعلان دولة إسرائيل مباشرة بدأـ العصابات الصهيونية ( الهاغانا، الإشتيرن، وغيرها ) بسرقة الآثار الفلسطينية من القرى التي تحتل مباشرة. واستمرت عمليات سرقة الآثار إلى ما بعد النكسة عام 1967 حيث أصبحت السرقة علنية, وقادت حملات السرقة وعملياتها شخصيات إسرائيلية عسكرية وسياسية كبيرة ومنها موشي دايان وزير الحرب الأسبق للكيان الصهيوني الذي كان يقود عمليات سرقة ممنهجة, وكان مدعوما بذلك من السلطات الدينية والسياسية الإسرائيلية, وقد دعا دايان في أكثر من مرة إلى إزالة كل الآثار المقدسية بدعوى إيجاد الهيكل المزعوم,فقد نقلت صحيفة دافار الصهيونية بعددها الصادر بتاريخ 2\ 8\ 1971 عن دايان قوله ( إنه لا ضرورة للتأخر في الكشف والعمل للعثور على الآثار القديمة العائدة لأيام الهيكل الثاني ويمكن تصوير بقية الآثار وإزالتها لأنها تخفي عنا رؤية الصورة الكاملة كما كانت في حينها) وهذا يعني إزالة كل الآثار والأوابد العائدة للحضارات القديمة. وفي هذا يقول نائب مدير مصلحة الآثار الإسرائيلية أوزي دهاري ” إن موشيه دايان كان مجرماً. لقد علم أنه كان يخرق القانون، وعلم أن كل أعماله كانت تنتهك القانون، واقترفها رغم ذلك”. وحول تلك الفترة يقول الدكتور معين صادق رئيس قسم الآثار في جامعة الأزهر في غزة إن الاحتلال كثف منذ العام 1967 عمليات التنقيب عن الآثار الفلسطينية . إن الإحصاءات عن تلك الفترة تشير إلى انه في كل سنة كانت تتم سرقة مئة ألف قطعة أثرية فلسطينية, منها. وفي الكثير من الحالات كان السارق سلطة الآثار الإسرائيلية التي كانت تشرف على عملية التنقيب, وما تمت سرقته والعديد مما استخرجته تم إخفاؤه. لكن هناك أيضاً مجموعة من القطع موجودة اليوم في متاحف إسرائيلية ومخازن الحكومة في تل أبيب ومنها ما تمت سرقته من قبل تجار محترفين. وأهم ما تم سرقته مخطوطات قمران (لفائف البحر الميت) التي اكتشفت عام 1946) حيث كانت هذه المخطوطات في المتحف المعروف باسم متحف روكفلر التابع للملكة الأردنية الهاشمية بالقدس حتى حرب 1967 م الذي استولت إسرائيل فيه على القدس فأخذت مخطوطات وادي القمران وغيرها ونقلتها إلى متحف الكتاب الإسرائيلي بالقدس الغربية
 مع بداية التسعينيات من القرن المنصرم أخذت دائرتي الآثار والسياحة الإسرائيليتين عملا مشتركا يقضي بسرقة الآثار الثابتة والمنقولة أو شرائها بمبالغ مادية طائلة من أي مكان في الأراضي الفلسطينية وذلك لمحو كل العمق التاريخي لفلسطين وتتوج العمل في هذه المرحلة مع بداية بناء الجدار الفاصل حيث صودرت بحجة بناءه أراض كبيرة غنية بالآثار الكنعانية و الرومانية والإسلامية, فقد صدر عن المركز الصحافي الدولي بالهيئة العامة للاستعلامات، في الثلاثين من نوفمبر الماضي، أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي سرقت آلاف الدونمات التي تضم العديد من المواقع الأثرية الهامة والضاربة في عمق التاريخ في الضفة الغربية، بحجة وقوعها في مناطق بناء جدار الفصل العنصري.
 ومن تلك المواقع الأثرية : خربة شمسين، وهي خربة أثرية تقع بين قريتي قفين وباقة الشرقية، وهي قرية رومانية تمتد على مساحة 60 دونماً وهي غنية بالمعالم الهامة كالجدران، وأنقاض الأبنية، وكذلك أساسات بناء وخزانات آبار منحوتة للمياه ومقاطع صخرية ومقابر، وكانت هذه الخربة تشهد أحياناً حركة سياحية نشطة لكن الجدار التهمها حيث وقعت غرب الجدار.وخربة أم قصير، وهي خربة رومانية تقع بين قريتي قفين والنزلة الشرقية، وقد تأثرت بإقامة الجدار العنصري وتم اقتطاع جزء منها وتضم أساسات، آبار ومغاور وجدران ومقابر وغيرها، وتمتد معالمها على مساحة 10 دونمات.
 والتهم الجدار موقعاً أثرياً يسمى خربة رحال، وهي خربة أثرية رومانية تقع غرب قرية دير الغصون، مر الجدار العنصري من منتصفها فالتهمها جميعها، وتمتد هذه الخربة على مساحة تصل إلى 8 دونمات. وكانت تتواجد في ذلك الموقع بعثة إسرائيلية خاصة أثناء أعمال الحفر لصالح الجدار العنصري، مما يعني النية المبيتة لسرقة الآثار الفلسطينية.
 ومن المواقع الهامة التي استولى عليها الاحتلال وضمها للجدار، تل شويكة أو تل الراس، وقد شهد عدداً من الحقب المتعاقبة، مما يعني أنه خصب وغني بالآثار ويعتبر من المواقع الهامة في فلسطين، حيث يعود نشوء الحضارة فيه إلى العصر البرونزي المتأخر والفترة الحديدية والرومانية والبيزنطية، حسب الاستقراءات الفخارية.
 وقد كان هذا التل ممراً للقوافل التجارية والعسكرية من شمال فلسطين لجنوبها ويعتقد أن هذا التل شهد معركة قادش التاريخية التي حارب فيها الجيش المصري ممالك الكنعانيين.
 ويقع هذا التل بمحاذاة الجدار العنصري، وقد تأثر بعدد من الحفريات التي نفذتها طواقم الآثار الإسرائيلية أثناء شق الجدار مما يشير إلى سرقة الآثار الموجودة فيه.
 ومن المواقع المسلوبة أيضاً، خربة زهران، وتقع بين قريتي سفارين وكفر اللبد، شرق طولكرم وتضم كنيسة قديمة وجدران فسيفساء، كما تضم أساسات ومبانٍ وغيرها من المعالم الأثرية الهامة، وهي قريبة مما تسمى «مستوطنة عناب»، الأمر الذي يهدد بإزالتها إلى الأبد أو إلحاقها بالمسروقات الإسرائيلية.
 إن فلسطين منذ العام 1948 تتعرض للاغتيال التاريخ والحضاري على يد الإسرائيليين وقد ذكرنا فيض من غيض وما خفي أعظم.

سوريا وسرقة الآثار على يد الإسرائيليين

 الجولان


تعتبر محافظة القنيطرة من أغنى و أثرى المحافظات السورية بالآثار المنقولة و غير المنقولة و التي تتحدث عن أرض الجولان و هذا ما يلحظه المشاهد أو الدارس من خلال دراسته للآثار المادية في الجولان و التي دلت على وجود الإنسان منذ أقدم العصور حيث مارس فيها مختلف الفعاليات الحضارية و بالأخص بأن أرض الجولان تعتبر عقدة مواصلات هامة ما بين العمق السوري و الدول المجاورة / لبنان – فلسطين – و سواحل البحر الأبيض المتوسط و شبه الجزيرة العربية – و تجارة اليمن السعيد – و التي شهدت في عصور العرب الآموريين و الكنعانيين و الآراميين و الأنباط و الغساسنة و العرب المسلمين كما شهد الجولان تسلسلاً حضارياً مما ينم عن إبداع حضاري متواصل تتابعت مسيرته منذ العصور الحجرية وعن غناه بآثاره التي تدل على وجوده من خلال آثار ما قبل التاريخ و الآثار الكنعانية و الآرامية و النبطية و الغسانية و الإسلامية و حتى الآثار المعاصرة أيضا كان للتجديد و التطوير دور حضاري بارز في مسيرة الجولان الخالدة عبر العصور التاريخية المتعاقب.
 تجري أعمال المسح و التنقيب الأثري في الجولان العربي المحتل بإشراف سلطة الآثار والمتاحف في إسرائيل وفريق دائرة آثار الجولان 0 كما وتتم بدعم وتمويل من جهات عديدة في إسرائيل وخارجها
 ومن هذه الجهات
 – مؤسسة المسح الأثري في إسرائيل – الجمعية الإسرائيلية للحفاظ على الطبيعة – مؤسسة التذكير بالحضارة اليهودية في نيويورك -معهد أبحاث الجولان في إسرائيل – المجلس المحلي في قصرين بالجولان العربي السوري المحتل – الجامعة العبرية
 – وزارة الدفاع الإسرائيلية – سكرتارية الكيبوتس الإسرائيلية – مديرية البحث الإسرائيلي في حركة الكيبوتس في إسرائيل -المجلس الوطني للأبحاث والتطوير في إسرائيل -جامعة بارإيلان – مدرسة نيلسون غلوك للآثار التوراتية كلية الاتحاد العبري – صندوق استكشاف فلسطين بلندن – المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية – صندوق ليونارد وكاثارين وولي – كلية كرويل اكسفورد – شركة تمس وهدسون
 من البعثات الإسرائيلية التي عملت والتي لاتزال تعمل حتى اليوم في الجولان المحتل:
 • بعثة برئاسة كليرا بشتاين وشمير ياهو غوتمان C. EPSTEIN – S. GUTMAN :
 • بعثة كليرا بشتاين C. EPSTEIN ومساعديها
 • بعثة موشيه هرتل M.HARTAL
 • بعثة زيغي أورس ماعوز Z.MAOZ• مديرية أثار الجولان الإسرائيلية
 • بعثة المسح الأثري الإسرائيلي
 وقد ذكرت تقارير صادرة عن وزارة السياحة الإسرائيلية ودائرة الآثار أن الجولان السوري يزخر بالآثار وقد تم اكتشاف الكثير منها ونقلها إلى داخل فلسطين وما يزال مصير هذه الآثار مجهولا.
 أم بالنسبة للآثار التي سرقت من سورية فهي كثيرة والصحف الرسمية السورية كثيرا ما نشرت حول المافيات التي تعمل في سورية لسرقة الآثار وتهريبها على خارج البلاد, وكشف السلطات الإسرائيلية منذ سنوات انه تم ( استرجاع) سرقة عدد من اللفائف التوراتية القديمة من سورية عن طريق تجار وسرّاق آثار, وقد وصفت الصحافة الإسرائيلية سرقة هذه اللفائف بالغنيمة الكبيرة وبالعمل الهام.

مصر

بدأ تهريب الآثار المصرية في بدايات القرن الـ 18 على يد البعثات الأجنبية، التي جاءت إلى مصر للكشف عن الآثار الفرعونية ، وكان قانون الآثار المصري في ذلك الوقت ينص على اقتسام الآثار المكتشفة بين الحكومة المصرية وتلك البعثات، وعُرف ذلك باسم “نظام القسمة” الذي ظل العمل به قائمًا لفترة طويلة.
 وفي فترة الضعف السياسي كان معظم قناصل الدول يعملون كتجار للآثار، وقد نجحوا في نقل الكثير من القطع النادرة إلى بلادهم، حتى إن إيطاليا وحدها بها 18 مسلة مصرية، إلى جانب ملايين القطع النادرة التي تضمها متاحف “اللوفر” بفرنسا “المتروبوليتان” بالولايات المتحدة “تورنتو” بإيطاليا ومتحف “برلين” بألمانيا.
 هذا بالإضافة إلى قيام بعض حكام مصر بإهداء الآثار حيث أهدي محمد على مسلة لفرنسا كما أهدى الخديوي عباس الأول جميع معروضات أول متحف للآثار الفرعونية والذي كان مقاما داخل أحد قصور المماليك في الأزبكية لولى عهد إمبراطور النمسا .
 بينما أهدى جمال عبد الناصر لشاه إيران السابق وزوجته ولشخصيات عديدة من الملوك والرؤساء تماثيل للطائر أبيس والآلهة أوزوريس وإيزيس ومجموعة من العقود والأواني من عصر الملك زوسر . كما أهدى الرئيس أنور السادات مجموعات تماثيل وأواني من التي عثر عليها في منطقة سقارة بالإضافة إلى تماثيل خشبية مذهبه ترجع إلى العصر المتأخر .
 وأهدت الحكومة المصرية في عهد السادات أيضا مجموعات آثار مثل معبد دندرة الصغير والذي كان مقاما على أرض النوبة للرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون أثناء زيارته لمصر عام 1974م، كما أهدت معبد دابوت إلى الحكومة الأسبانية والمقام حاليا على ربوة عاليه فى ميدان مدريد .


سرقات إسرائيلية


 بدأت هيئة الآثار المصرية عام 1983 في متابعة الآثار المصرية لدي إسرائيل وشكلت لجنة علمية قامت بجمع كافة المعلومات المثبتة في الدوريات العالمية الإسرائيلية، والتي أصدرتها جامعة تل أبيب بالاشتراك مع جامعة مينشين الأمريكية، وكذلك الأفلام التسجيلية التي أعدتها جامعة بن جوريون عن بئر سبع بشمال سيناء وعلماء آثار في كل من الفرما وتل الفضة وتل أكير بسيناء، ولم يوافق الجانب الإسرائيلي على بدء التفاوض إلا عام 1987، واستمرت المفاوضات حتى 1993 إذ تمكنت مصر من استرداد آثارها التي سلبتها إسرائيل.
 وكان عدد من الإسرائيليين قد تسللوا إلى مخازن تل بسطة الأثرية بالشرقية وقاموا بسرقة 2185 قطعة أثرية فرعونية نادرة تم العثور عليها في منطقة بئر يوسف . التي تم اكتشافها حديثا في محاوله منهم لفك رموز الحقبة الزمنية التي عاشها اليهود في مصر خاصة تلك التي عاش فيها يوسف وموسى .
 وقد تم تهريب هذه القطع التي تعود إلى بداية عهد تكوين الأسر الفرعونية إلى تل أبيب مباشرة عن طريق سيناء . وقام بالسرقة الوفود الإسرائيلية التي كانت تأتى لزيارة تلك المنطقة بكثافة للتجول داخل المخزن المتحفي ومعها تعليمات مشددة بحمايتها وعدم دخول الشرطة للأماكن التي يدخلونها .. وأخيرا أعادت إسرائيل 20 ألف قطعة من الآثار المصرية.

أشهر المهربين

 وكشفت مجلة “دير شبيجل” الألمانية عن أسماء مجموعة من المتورطين في عمليات سرقة الآثار المصرية وتهريبها إلى ألمانيا في مقدمتهم عالم المصريات الشهير ديتريتش فيلدونج الذي يشغل منصب مدير المتحف المصري في برلين بالإضافة لزوجته التي تعمل كمديرة للمتحف المصرى في ميونخ . بالإضافة إلى بعض العلماء المختصين الذين يقومون بعمليات استكشاف أثرية في مصر .
 وكان وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق موشيه دايان واحداً من أخطر اللصوص الذين نهبوا الآثار العربية، سواء في فلسطين أو في الأراضي العربية الأخرى المحتلة، فخلال ثلاثة عقود استولى على مجموعة كبيرة من الآثار التي نهبها خلال عمليات تنقيب غير مشروعة، وتاجر فيها داخل إسرائيل وخارجها، وفي هذا يقول نائب مدير مصلحة الآثار الإسرائيلية أوزي دهاري ” إن موشيه دايان كان مجرماً. لقد علم أنه كان يخرق القانون، وعلم أن كل أعماله كانت تنتهك القانون، واقترفها رغم ذلك”.
 وعلي صعيد متصل اعترف أحد أفراد عصابات تهريب الآثار من مصر إلى لندن فى التحقيقات التي أجرتها معه شرطة سكوتلانديارد أنه قام بتهريب 250 ألف قطعة أثرية من الآثار المصرية، مقرا بأنه كان يعمل لحساب عصابة دوليه لتهريب الكنوز الأثرية من مصر إلى لندن .

العراق

 في موازاة التخطيط والإعداد للغزو الأميركي للعراق، كان يتم الإعداد لعملية لا تقل خطورة عن سابقتها وهي إبادة تاريخ هذا البلد وتدمير آثاره وسرقتها، كي يصبح عاريا تماما حتى من «ثيابه الداخلية» على حد تعبير الإذاعة الإسرائيلية قبيل الغزو بقليل..!! والمعادلة كانت تقول بكل وضوح: «إذا كانت عملية احتلال العراق قد تكلفت بالقضاء على مستقبله، فلا بد من عملية أخرى تتولى محو ماضية تماما وإلغائه إلى غير رجعة عبر سرقة آثاره وكنوزه التي تعود إلى فجر الإنسانية الأولى..
 في هذا الإطار ألقى الدكتور دوني جورج الرئيس السابق للهيئة العامة للآثار والتراث في العراق محاضرة قيمة بعنوان «ماذا حدث للمتحف العراقي أثناء الغزو الأميركي» حيث كان شاهد عيان لما حدث من استباحة لآلاف القطع النادرة والمخطوطات والرقيمات والتماثيل، وحاول مع أصدقائه من المهتمين والباحثين إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا الإرث العظيم..


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية