وثيقة “براءة طَرَف” ..لـ: فاضل السباعي

فاضل السباعي
أديب سوري

رأيت فيما يرى النائم عند قيلولة اليوم أني مواطن في بلد يدعى “فردوسيا”، ومع ما في هذا الاسم من معان، إلا أني كنت أشعر أنّ “أجهزة أمنية” في هذا الوطن تلاحقني بسبب انتقادي لما تراه عيني من فساد.

بدأت مشكلتي، التي حلمت بها الساعة، أني كنت في حالة احتياج لوثيقة تسمى “براءة طَرَف” يستحصل عليها من أكبر جهات الأمن في دولة فردوسيا العتيدة.
دخلت المبنى العظيم بإجراءات غير معقدة، ثمّ رأيتهم يُحيلونني وأنا أتنقّل من مسؤول عاقدِ الحاجبين غطرسة إلى مسؤول باسم، حتى وصلت إلى واحد قالوا إنه يدير أعمال “النشر” في المؤسسة، وكانت إحالتي إلى هنا لمعرفتهم بأني كاتب ينشر أفكارا! من عجبٍ أني رأ]ت بسمة هذا الرجل واسعة، وهو يشير إلى رفّ خلفه قد صُفّت فيه منشوراتهم، تدلّ عناوينها على سياسة وعلى أدب أيضا، وإذا لم أستغرب أن يكون عنوان واحد منها “رسالة شيوعي منحاز لفردوسيا” فقد ملكني الاستغراب حتى النخاع الشوكي لقراءتي عنوان ديوان “فردوسيا هواي الأمثل” لشاعر قد آن له أن ينشقّ عنهم فهو من “الخوارج” الملاحقين، ويسألني الرجل بعذوبة صوت ما إذا كان عندي مخطوطة كتاب جاهز ينشرونه لي بأحسن حلّة خلال أيام؟ فاستعرضت بلمح البصر أعمالي التي أجتهد في إعدادها للنشر فوجدت أنها كلّها تجعلني مؤهلا للاعتقال!

فجأة أحسست “بزنقة” فطلبت “الدورة”، فقادني أحدهم إلى حيث رأيت من الأجهزة والأدوات ما لا يمكن أن تكون في مثل هذا المكان. ولكني لاحظت أنّ أحدهم يتقدم مني، لحظة خروجي من عندهم، وبيده الغليظة عنقيّ، فاكتفيت بالاستغراب!
وعدت أتابع معاملة الوثيقة، وما تمّت الاجراءات حتى كان الدوام قد انتهى، والأبواب أغلقت فأصبح متعذرا عليّ الخروج من المبنى. وعرفت منهم أنّ عليّ قضاء ليلتي هنا! ومررت فرأيت نسوة وأولادا يقتعدون درجا خلويا متأهّبين للنوم.

لم أخضع لهذا التصرف العجيب. عدت لكل الذين مررت بهم أسألهم، ولا جواب.

وأنا أسعى… بدأت أحسّ حِكّة في العنق. تلمّست، كان ثمة أداة صغيرة، صغيرة جدا، ملصوقة، فكان عليّ أن أدرك أنها جهاز تنصّت متطور. ساءني ما اكتشفت، وانتزعت الأداة ورميتها بعيدا. وأخذت أتجول في ردهات المكان حائرا. فخيّل إليّ أن شيئا ما كان قد انبثّ في جسدي، واستقرّ في الصدر والنفْس، فهم إذن يتنصّتون حتى على أنين الضمير.
أخذت أصرخ مندّدًا، غير مبال بأنهم يسمعون صوتي أو يسجلون هواجس الضمير…

رأيتني وكأنني في صحراء، ظلماء، يَضيع فيها الصراخ…
وما انتشلني ممّا أنا فيه… إلا قرعُ جرس الباب.
صديق أتى لزيارتي بموعد… وعند معانقتي له حرصت على أن أتلمّس عنقه.

دمشق الشام:
ليل الخميس 29-8-2019


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية