حين يؤذيك التعب لـ : مجيدة البالي

[dt_fancy_title title=”نصوص أدبية” title_align=”right” title_color=”accent”]

حين يؤذيك التعب

مجيدة البالي

كاتبة مغربية
تقيم في أمريكا

حين يؤذيك التعب تعرف كيف تمشي على الاوراق الميتة تحت الشجر دون ان تحدث صوتا قد يزعج جارتك النائمة و قد تعرف ايضا كيف تبتسم لها من عينيك لكي لا تفتح فمك و يفضحك صوتك الضارب في الوجع حين يؤذيك التعب تعرف كيف ترفع الجريدة من الارض و تضعها دون ان تراك في صندوقها البريدي امام البيت حتى لا تضطر هي الى الانحناء كل صباح لالتقاط اخبار العالم من الرصيف حين يؤذيك التعب تريد ان تقترب قدر الامكان من الطير الجريح في اخر الطريق و تسعفه دون ان يخاف منك و يجر جراحه بعيدا حين يؤذيك التعب تعرف جيدا تلك الضحكات الهستيرية للمتعبين في المقاهي و على الارصفة و في جلسات العائلة الليلية و تكون الوحيد الذي لا تشاركهم الضحك لانك ابتعدت قليلا عما قد يجول بذهن الاخرين بخصوصك و لم تعد تكترث به… حين يؤذيك التعب تعرف ان الصمت نعمة و المشي على الاقدام دون صوت نعمة و شمس الخريف الشاحبة نعمة و فتح النوافذ بالبرد نعمة …ايضا . تعرف كل النعم و لا تريد ان تحصيها لانك تعترف مسبقا بعجزك الاليف و تقبل بالتعب . لا احد يستطيع ازعاجك اكثر مما تريد انت… تفتح ذراعيك بما يستطيع حضنك… فلا اكثر . الثقب الذي تطل منه عليك يتسع بلا هوادة كلما ضاق الازدحام بالرسومات المتحركة فوق شاشات الواقع الذي لا يوقع على شيء و لا يحيط بشيء…فلا تبقى اطرافك المنسية بالخارج و انت تعبر الثقب ،اي نعم تدخل كاملا فيك على هيئة جنين مرة اخرى و تكتفي بك كرحم ساكن لا ينتظر كف قابلة… هكذا و انت ” مجهض ” تكون منسجما مع ولادة بلا صراخ تخرج من حبرك كلما اكتظت بك الدواة و اغرورقتك الهوامش حد الولادة من جديد… و تكتبك بكامل اناقتك على جدار جار متعب يعرف كيف يمر بسيارته بحذر على مقربة من طير صغير يتعلم الطيران ف لا يؤذيه… و حين يؤذيك التعب الذي تحاول تجاهله على قدر اتساع حضنك و تفشل ، ترص فقط امام عينيك و بصمت شديد عدد انتباهك الشديد للاشياء المؤذية بشدة و تبتسم …نعم تكتفي بابتسامة كتلك التي نرسمها دائما وسط دائرة و نحن لا نعنيها و تستطيع ان تمثل الدهشة امام نفسك و تستغرب و تتساءل بحرقة و باستهزاء في ان واحد ان شئت * ” كيف لهذا العدد الهائل من الأيام ان يخلق حياة ضئيلة كهذه ..! ” حينها لا تحتاج ان تاخذ لك صورة مع الوقت او مع ما هو مرصوص امامك لان الذاكرة تكون قد سبقتك و بشكل لا ارادي لذلك و بشكل نظيف… فتصير تفهم ابتسامة الصامتين الهادئين الذين يمرون تحت نافذتك دون ان تنطق احذيتهم بحوارات اوراق الخريف و انت تعلم انك لم تكنس امام البيت منذ زمن طويل… تعرف ان الابتسامة بلا صوت هي اختزال جريء لخلاصات تفوق الاحساس بالرضا و تفوق الاحساس بالاعتراض… و تبتسم مرة اخرى و انت تصر على انهاء رسالتك السنوية للجارة المتعبة في ذكرى ميلادها و تواسيها بما يجعلها تفتح النافذة رغم البرد و تبتسم و هي تقرا لك : ** ” نَحنُ مِن طِين ، يوجعنا الأذى ، يَجرحنا صَغير الشَوك ، يجبرنا لطُف الله.» كل عام و انت و الهادئون في صمتهم بخير…

و قد تريد حتما حين يؤذيك التعب ان تنام طويلا في غرفتك اخر اليوم دون ان تجعل احدا ممن يحبونك ينتبه انك لم تستيقظ في الغد…

[dt_breadcrumbs]

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية