لا قيود على حرية الفكر ..لـ : سعد فنصة

سعد فنصة
كاتب ومؤرخ ومصور سوري

هناك كتابات تنتمي لتاريخ طويل من حرية الفكر والإبداع الإنساني عبر رحلة طويلة من إنارة العقول، منذ حضارة السومريين الأولى التي إكتُشِفَ فيها أول رقيم فخاري لأقدم مدونة مسمارية لطبيب سومري، نقش عليها المعلومات الطبية الأولى، والعمليات الجراحية، لم يذكر فيها أي شعوذة أو خرافة أو تعويذة سحر.

والأدب العظيم كشاف النفس البشرية، كان يسبق أحيانا الاكتشافات العلمية.. دويستوفسكي على سبيل المثال سبق فرويد في اكتشاف وتحليل العلل النفسية..
وظل جاليليو جاليلي باكتشافاته عن دوران الأرض، رغما عن أنف الكنيسة ورغبة البابا، يردد في سجنه القسري .. حتى آخر عمره : ” إنها تدور”.

وعندما أسس محمد علي باشا بداية القرن التاسع عشر أول مدرسة طبية في الشرق على الأسس الأكاديمية المتبعة في العالم الأكثر تطورا، واستقدم لأجلها عالم وطبيب من فرنسا يقدم الدروس العلمية، التي كان يشرح فيها الظواهر الطبيعية لطلاب الأزهر قائلا : بأن على الطبيب ان ينبذ الخرافة ويدرب عقله لتقبل العلوم المحدثة التي تقوم على المعارف، واستشهد بمثال عن الزلازل بقوله، انها لاتحدث كما رسخ في اذهان العامة، بأن الثور ينقل الأرض من قرن الى قرن .. فقام من فوره أحد الطلبة الجهال وطعن الطبيب المعلم، انتقاما لإهانة الثور ..

خلاصة حديثي يحمل رسالة واضحة إلى من يظن بنفسه امتلك الحقيقة .. دنيوية كانت أم دينية .. عقلية أم روحية..

لايمكن أن تكون مفكرا صادقا أو أديبًا عظيما أو ثوريا حقيقيا .. وأنت تساير واقع مجتمعك، الأكثر تخلفا واحباطا ونفاقا زأمراضا .. بين المجتمعات .. وترسل إلي قصاصات الصحف والفيديوهات المجتزأة وهراء التفاهة عن قال وقيل، وانا على علم اليقين بأنك لم تقرأ كتابا، في النص الذي تحاورني عنه منذ دهور، لتثبت وجهة نظرك أمام قلمي، وتشعر بالزهو بانتصارك على نصوصي .. بإخافتي عند التلويح بسيف التكفير الديني، أو العقائدي أو ا بالتحلل الاخلاقي .. مستندا إلى النص المقدس ..
فعندما تشرح للهندوسي أن التطهر الديني في نهر الغانج سيزيده مرضا مع روث الأبقار ومستنقعات الجراثيم والبعوض والذباب، والأمراض الجلدية المنتقلة، عبر هذا الطقس الديني، سينظر اليك بأنك تجدف في دينه وتحرفه عن ديانته الاصيلة المتبعة منذ آلاف السنين…

أنا لم أكن ثائرا فقط على نظام قمعي إجرامي مثل الإجرام الأسدي ومنظومته الداعمة، التي ساهمت في تشويه العقل والتاريخ وافرزت كل هذا الغباء الاسطوري…
.. أنا ثائر عليك كما سبق أن نوهت في أكثر من مناسبة .. لأن مجرد بقائه هو وأبيه لنصف قرن ويزيد .. راكبا على عقلك ومنظومة كهنوتك .. كان مؤكدا أنه سينتج جنينا مشوها، مثل عقلك المتداع بالخرافة، والاحساس الأوحد بأنك وحدك امتلك حقائق الكون ..
فلسفتي الشخصية نابعة باختصار، حول فكرة كانت سببا أكيدا في حلول عصر التنوير، مفادها: عندما يتعارض النص المقدس مع براهين العلم، على النص المقدس أن ينصاع للعلم وليس العكس …

تواضع يا بني أمام المعرفة وإذا كنت باحثا في فقه الدين، اقرأ أكثر عن الاديان الاخرى، وتاريخ الشعوب، وآثارها .. وإذا كنت شاعرا .. احفظ ما تيسر لك من شعر وأدبيات أساطينه، ولا تقلد احدا ممن حفظت لهم أو قرأت .. وإذا أردت ان تكون حكيما وصاحب موقف مستقل وحر، اكتب ما تشاء وتتمنى وتفكر به على مدونتك وقراطيسك وانتج الكتب والبحوث الجديدة، التي تضيء فيها خلاصة ثقافتك وأصالتك، إن استطعت إلى ذلك سبيلا …
ولكن كل ذلك أتممه، وأنت لا تقف فيه على ظلي ..!!


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية