مَن يهاجم الجيش الروسي في سورية؟
في مقالة لها نشرت مساء أمس، الثلاثاء، تساءلت مديرة مكتب بيروت في صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، ليز سلاي، عن هوية مهاجمي القاعدة العسكرية الروسية في حميميم في سورية. وقالت سلاي إن الهجمات الأخيرة تضفي شيئاً من الغموض على الحرب الدائرة في سورية على الرغم من إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مؤخراً، عن انتصار الجيش الروسي وتحقيق أغلبية الأهداف العسكرية المطلوبة.
بحسب سلاي، أثارت الهجمات سلسلة من التساؤلات حول هوية المسؤول عنها، خصوصاً وأنها تُعتبر من أكبر التحديات العسكرية التي تواجه الدور الروسي في سورية، وأنها تأتي في مرحلة يسعى فيها الجيش الروسي إلى تقليص وجوده العسكري.
تحدثت سلاي عن الهجوم الأخير الذي شهدته قاعدة حميميم الجوية، مركز العمليات العسكرية الرئيسي للجيش الروسي، حيث قامت أكثر من عشر طائرات مسيَّرة بمهاجمة القاعدة الواقعة شمال محافظة طرطوس.
وقالت وزارة الدفاع الروسية إنها أسقطت سبع طائرات من دون طيار بينما تمكنت من تعطيل ست طائرات أخرى بعد أن نجحت بالتحكم بها إلكترونياً.
هجوم “الدْرونز” الأخير يأتي بعد أسبوع تقريباً على مقتل جنديين روسيين في القاعدة نفسها بعد تعرّضها لقصف بقذائف الهاوْن.
وكانت صحيفة “كوميرسانت” الروسية قد أصدرت تقريراً، في الأسبوع الماضي، تحدثت فيه عن دمار سبع طائرات حربية في القاعدة جراء الهجوم الذي قام به مجهولون بقذائف الهاوْن، ومنها طائرتان من نوع SU 35، فخر القوات الجوية الروسية، الأمر الذي نفته وزارة الدفاع الروسية جملة وتفصيلاً.
بالنسبة إلى سلاي، يبدو الهجوم الأخير ضدّ القاعدة العسكرية الجويّة في حميميم”أكثر الأخطار الملموسة” التي يواجهها الجيش الروسي في سورية منذ انخراطه في الحرب في أيلول/سبتمبر من العام 2015.
وكانت وسائل إعلام روسية قد تحدّثت أيضاً عن هجمات تعرّضت لها بعض النقاط العسكرية الروسية في حمص واللاذقية في الأسبوعين الأخيرين.
موقع حميميم الجغرافي لم يحمِ القاعدة العسكرية من الهجمات
يقول مكسيم سوشكوف من مجلس العلاقات الخارجية الروسية إن قاعدة حميميم تقع، جغرافياً، في عمق المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري وإنها، حتى الفترة الأخيرة، بدت محميَّة من الهجمات.
ويضيف سوشكوف أن أسئلة جديدة يتم طرحها في موسكو اليوم عمّا إذا كان الجيش الروسي قد حمى القاعدة العسكرية بشكل كافٍ.
بدورها قالت جينيفر كافاريلا من معهد “واشنطن بوست” إن بوتين قام بزيارة حميميم في كانون الأول/ديسمبر الماضي وأعلن أن القوات الروسية ستبدأ بالانسحاب التدريجي من سورية لأن القسم الأساسي من الحرب انتهى.
غير أن الهجمات الأخيرة، بغض النظر عن هوية منفذها، تؤكد أنه ما زال بالإمكان اختراق مناطق النظام السوري وتكليف الروس الخسائر، بحسب كافاريلا.
السؤال التقني الذي يشغل موسكو
ثمة ما يجعل الهجمات الأخيرة “غير عادية” بحسب سلاي، إذ لم تعلن إحدى الجهات المعارضة للنظام السوري مسؤوليتها عن الهجوم، ما أثار موجة عارمة من التساؤلات والتحليلات في الأوساط الإعلامية الروسية والسورية.
يوم أمس، الثلاثاء، اتهمت وزارة الدفاع الروسية الولايات المتحدة الأميركية بمدّ تكنولوجيا الطائرات من دون طيار العسكرية إلى أطراف تقاتل النظام، كما قالت الوزارة إن هجوماً مثل الأخير يتطلب “مستوى عالياً من الخبرة العسكرية”، لم تصل إليه الجماعات المسلحة هناك.
#SYRIA: The fact of using such strike aircraft-type drones by terrorists is the evidence that militants have received technologies to carry out terrorist attacks using such UAVs in any country.
— Минобороны России (@mod_russia) January 8, 2018
وما كان من بيان وزارة الدفاع الروسية الذي نشر على الفايسبوك إلا أن ضاعف الشبهات، حيث يقول البيان إن طائرة تجسس واستطلاع أميركية من طراز “بوسيدون” حلّقت في المنطقة لمدة أربع ساعات خلال هجوم “الدرونز”.
#SYRIA: Security system of the Russian #Khmeimim air base and #Russian Naval CSS point in the city of #Tartus successfully warded off a terrorist attack with massive application of #UAVs through the night of 5th – 6th January, 2018 https://t.co/nHiUrEWonL pic.twitter.com/3EgrFhYeHh
— Минобороны России (@mod_russia) January 8, 2018
سريعاً ردّ متحدث باسم البنتاغون نافياً الاتهامات الروسية. وقال إيريك باهون إن الدولة الإسلامية استعملت هذا النوع من الطائرات في هجماتها ضد قوات التحالف شرق سورية وفي العراق وإن هذه الطائرات موجودة في الأسواق ويمكن شراؤها.
ولكن أقرب مواقع الدولة الإسلامية يبعد مئات الكيلوميترات عن الساحل السوري الغربي، حيث تتواجد قاعدة حميميم، ما يبعد احتمال تورّط تنظيم الدولة في الهجوم.
عن أي مسافة يمكن التحكم بالطائرات العسكرية من دون طيّار؟
تقول سلاي في مقالتها إن أغلبية الطائرات من دون طيار التي استخدمها تنظيم الدولة الإسلامية ضدّ التحالف الدولي كانت تعمل في مجال لم يتعدَّ الكيلومترين من حيث التحكم بها.
بيان وزارة الدفاع الروسية أكّد أن الطائرات التي هاجمت القاعدة العسكرية جاءت من مكان يبعد من خمسين إلى مئة كيلومتر عن حميميم، ما يعطي فكرة عن تقدّمها تكنولوجياً وما يضاعف عدد المشتبه بهم.
يقول سوشكوف إن أحد الفصائل المسلحة السورية المعارضة والكثيرة قد يكون هو المسؤول عن هذا الهجوم ولكن اللغز يكمن في البعد الجغرافي لتلك الفصائل عن القاعدة العسكرية. ويضيف سوشكوف مذكراً بطبيعة عمل هذه الفصائل التي تتبنى سريعاً أيّ هجوم تقوم به، ويقول “لو كان المسؤول عن الهجوم من المعارضة، كان سيسعى إلى نشر كل شيء على الإنترنت وإلى تمجيد الهجوم”.
فصيل إيراني أم حركة العلويين الأحرار
تنهي سلاي مقالتها متحدّثة عن بعض النظريات التي انتشرت في محاولة لتفسير الهجوم ضد القاعدة الروسية في حميميم.
وتقول سلاي إن إحدى النظريات التي انتشرت تتهم “علويين مستائين” بتنفيذ الهجوم. إذ نشرت مجموعة تسمّى بـ”حركة العلويين الأحرار” بياناً على الإنترنت بعد الهجوم محذّرة العلويين الذين يدعمون النظام السوري من أن الهجمات الأخيرة تثبت أن بقاء الأسد في الحكم ليس مؤمّناً. غير أن البيان لم يتبنّ بوضوح الهجوم ضد القاعدة الروسية.
ولكن بعض الشخصيات العلوية المعارضة في سورية شككت في صحة وجود “حركة العلويين الأحرار” وقالت إن البيان الذي نشر قد يكون من تحضير إحدى وكالات الاستخبارات الأجنبية التي تسعى إلى إعطاء صورة عن شقاق في الصف العلوي.
ادّعى البعض الآخر أيضاً أن فصيلاً إيرانياً يحارب إلى جانب النظام السوري قام بالهجوم على القاعدة العسكرية. مؤيدو هذه النظرية قالوا إن الفصيل متواجد في المنطقة وإن الهدف من الهجوم عرقلة الجهود الروسية لفرض اتفاق للسلام، قد يهدد المصالح الإيرانية.