في دمشق تعودت ان أتردد على حلاقي المعتاد، وهو على قدر لابأس به من الوعي الاستخباراتي، حيث كان يتردد عليه المخبرين وكتبة التقارير المتعيشين على زلات ألسن سكان الحارة التي كنت اقطنها.
مع بدء الانتفاضة الشعبية التي بدأت في درعا وحمص، ربيع العام ٢٠١١ قام قطعان الشبيحة ومرتزقة المخابرات واعوانهم بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، فرد هؤلاء بتمزيق صور الوريث واحراقها، في مشاهد نادرة لم يعتد عليها الشعب الداجن بالخوف طويلا.
حينها اتخذت الأوضاع منحىً خطيرا عبرت خلالها علنا بين الناس وفِي العمل وتجمعات الاصدقاء ( المثقفين ) عن موقف واضح لا لُبس فيه ولا لباس تنكر فيما يجري من حولي، من اعتداء على الحرية والكرامة الانسانية، وغباء التوحش الذي بادر بالموت القادم من عقلية مَرَضية مختلة تمثلها الاسد بذاته مع رموز حكمه ولصوص عائلته وقتلته المأجورين الذين بدأ باستقدامهم مبكرا ..
وصدف في هذا الربيع ان استضفت احد الزائرين لي من احدى المحافظات البعيدة، وإضطُرَ لحلاقة شعره عند حلاقي المعتاد، بعد ان نصحته به وحذرته ان لا يفتح اَي حديث سياسي او ثقافي يمكن ان يستدرجه اليه..
ما حصل لصديقي بعد ان عَرَّف الحلاق انه قَدِمَ اليه بنصيحة مني، فباغته بقوله: “وإنشاء الله انت معارض مثل صاحبك ..؟” فقال متفاجأ: “ليس بين اصدقائي معارضين” فقال له : “بلى صديقك اعرفه جيدا فهو معارض كبير فلا تنكر” ..
خلع صديقي ملاءة الحلاقة ورماها في وجهه، وهو يقول : “قلت لك ليس بين اصدقائي معارضين” .. اجابه حلاقي : “ولكن سحنة صاحبك.. معارض.. وانا بمقص حلاقتي سأجعلك لا تشابهه” ..