واشنطن – خاص
الحلقة الثانية من سلسلة : وثائق تكشف خفايا
قبيل أيام من انقلاب حافظ أسد 16 تشرين الثاني 1970
من بين مئات الوثائق أنتخب هذه الوثيقة التي أعتبرها شديدة الأهمية والخصوصية لاعتبارات عدة، أبرزها:
- تاريخ هذه الوثيقة الذي يشير إلى إصدارها في 3 نوفمبر / تشرين الثاني 1970، أي قبل انقلاب حافظ أسد بثلاثة عشر يومًا.
- المصدر الذي نقل معلومات الوثيقة إلى البعثة الدبلوماسية في بيروت، هو مصدر قديم، موثوق (تم إغفال اسمه في النص الأصلي) يقدم تشريحًا شاملًا للصراع على السلطة بين جناحي البعث، صلاح جديد من جهة، وحافظ أسد من جهة أخرى، ويحلل في الأسباب والتوقعات، ويقدم معلومات بالغة الخطورة، وبعيدة عن الاطلاع الشعبي، إلى السفارة الأمريكية في بيروت، على اعتبار أن التمثيل الدبلوماسي بين دمشق وواشنطن كان مغلقًا رسميًا بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين حكومتي البلدين إثر حرب 1967، إلا أن الاتصالات السرية السورية الأمريكية استمرت بشكل غير معلن من شخصيات سياسية أو عسكرية بعثية سورية بارزة كانت تتصل بالخارجية الأمريكية لتنقل الرسائل، كما تثبتها مجمل الوثائق بين الأعوام 1967-1974، في العام الذي أُعيد فيه افتتاح التمثيل الدبلوماسي الرسمي بين دمشق وواشنطن.
- بحسب الوثيقة، فقد أُرسلت نسخة إلى CIA (جهاز الاستخبارات المركزي الأمريكي)، وهو ما لم يكن يحصل دائمًا في وثائق الخارجية الأمريكية، إلا بحسب أهمية المعلومات الواردة من دمشق.
لا يمكن للباحث التاريخي الموضوعي أن يصدر أحكامًا مطلقة على نص وثيقة واحدة ما لم يطّلع على مجمل الوثائق التي صدرت قبلها وبعدها، حتى تتضح الصورة الشاملة لطبيعة المعلومات أو الحدث السياسي في حينه…!!
نقاط عدة ومثيرة وردت في هذه الوثيقة، رغم تكهّن وحيد خاطئ ورد في توقعات مصدرها، الذي قد يتبين للبعض ملامح شخصيته الموثوقة – كما أُشير عنه في نص الوثيقة – بالمقاربة مع وثائق أخرى، تمكنني شخصيًا من تحديد هويته المبهمة، دون أن أُفصح عنه، إلا أن الهام في الختام، بحسب نص الوثيقة، أن تقاطعات استخباراتية من مصادر أخرى تؤكد صحة ما ورد فيها من معلومات.
الوثيقة وترجمتها
جميع الحقوق محفوظة :
أي اقتطاع أو نقل أو نسخ أو تغيير بحسب القانون الأمريكي يعتبر جريمة فيدرالية
قسم التوزيع
الأصل/الإجراء
التوزيع المقترح
إلى: CIA
توجيه البريد
الإجراء
معلومات.
الأحرف الأولى
PO
осм
POI
ECON
CONS
ADM
AID
USIs
ملف
الإجراء المتخذ
Da I
وزارة الخارجية
يجب حفظ الأصل في
ملفات لامركزية.
تعيين الملف
سري/LIMDIS
A-428
مؤشر المعالجة
رقم
إلى: وزارة الخارجية
تاريخ الاستلام: عمان، جدة، الولايات المتحدة الأمريكية
رقم الوثيقة: AROS 264M 979 – سلسلة
RS/AN
قسم التحليل
من: السفارة الأمريكية في بيروت
التاريخ: 3 نوفمبر/تشرين الثاني 1970
الموضوع: الوضع في سوريا
المرجع:
قدّم لنا صديق سوري قديم، مقيم في دمشق، التقرير التالي حول أزمة حزب البعث الحالية في 30 أكتوبر/تشرين الأول.
ويتمتع بعلاقات شخصية جيدة مع عدد من قادة حزب البعث، بمن فيهم الأتاسي.
وأكد أن الأزمة بدأت عندما وجّه الجناح اليساري في الحزب التدخل إلى الأردن في أواخر سبتمبر.
وحدد المحركين الرئيسيين في الجناح اليساري وهم زعين وماخوس وعيد عشاوي.
الذين يرتبطون شعبيًا بصلاح جديد.
كانت هذه القيادة تأمل في الاحتفاظ بالسيطرة على كتيبتي الدبابات بعد الانسحاب من الأردن، وذهبت إلى حد استئجار مجموعة متنوعة من المنازل والشقق حول دمشق بهدف السيطرة على دمشق على غرار عمان.
وكان اكتشاف الأسد لهذه الخطط هو القشة التي قصمت ظهر البعير في إشعال الأزمة.
ومع ذلك، فقد جاء ذلك في أعقاب إحباط الجيش لخطط الجناح اليساري للسيطرة على الصاعقة(1) بالكامل (انظر في الحواشي) من خلال وضعها تحت سيطرته قبل شهر تقريبًا.
وكانت نقطة خلاف أخرى هي رفض الأسد إلزام سلاح الجو السوري، الذي يسيطر عليه، بحماية الدبابات خلال حالة الاخفاق الكارثي للجيش السوري في الاردن (قدر المصدر خسائر المهام السورية بـ سبعون).
COPYFLO-PBR
التاريخ:
النموذج
الأحرف الأولى:
10 – 64 DS -323
سري/LIMDIS
صاغه:
ECON: NKPratt: es 11/3/70
تاريخ الصياغة:
رقم الهاتف:
الموافقات:
رفع السرية
الجهة المسؤولة: NND469044
للاستخدام الإداري فقط
7 خارج
المحتوى والتصنيف معتمدان من قِبل:
DCM: RBHoughton
0 – 12634
1970 نوفمبر، الساعة 10 مساءً بتوقيت غرينتش
سري/ليمديس
2
بيروت A-428
من بين نقاط الصعوبة الأخرى في الخلفية:
أ) استاء الجيش من الأتاسي لتقلد دوره كرئيس دولة على محمل الجد في مؤتمري طرابلس والقاهرة، ثم محاولته الاستيلاء على السلطة الحاكمة الفعلية في سوريا، متناسيًا بذلك أنه كان من المفترض أن يكون رئيسًا صوريًا عيّنه الجيش في منصبه.
كان الأتاسي يُحاكي كيم إيل سونغ، زعيم كوريا الشمالية، علنًا؛
ب) الصراع على العلاقات مع العراق – هنا أراد الأسد والجيش تسوية الخلافات السورية العراقية، مما يسمح للدولتين بالظهور كقوة عربية مهيمنة خلفًا لعبد الناصر.
مع ذلك، أراد اليسار الاستمرار في كتلة مصر وليبيا والسودان كدول اشتراكية حقيقية، وقد أرست بالفعل هياكلها الاشتراكية على أسس متينة، على عكس العراق الذي كان لا يزال يمر بانقلاب تلو الآخر؛
ج) الاستياء الكامن لدى ضباط الجيش من مرسوم خفض الإيجار الأخير.
في السنوات الأخيرة، تراكمت لدى أعداد كبيرة منهم رؤوس أموال كافية لامتلاك بعض العقارات للإيجار في دمشق، حيث يندر السكن.
أدى هذا المرسوم إلى خفض الإيجارات بنسبة 30%، بالإضافة إلى خفض عام 1965 بنسبة 25%، والذي كان يعني، إلى جانب ضرائب الدخل، بالنسبة لهؤلاء الموظفين استيلاء الحكومة على الشقق المستأجرة.
ومن التطورات غير المتوقعة أن الأجانب لا يستفيدون من هذا التخفيض بنسبة 30%؛ بل يتعين عليهم دفعه مباشرة إلى خزينة الدولة؛
د) أصبح الوضع الاقتصادي حرجًا، وخاصةً وضع النقد الأجنبي السوري.
على سبيل المثال، كان المصرف المركزي مدينًا مؤخرًا بمبلغ 12 مليون دولار لبنك موسكو نورودني، وتمكن أخيرًا من جمع حوالي 5 ملايين دولار من دفعة امتياز شركة النفط الدولية الأخيرة لخفض السحب على المكشوف.
ألغى وزير الاقتصاد، خدام، تراخيص استيراد قطع الغيار وغيرها من القطاع العام.
(تعليق السفارة: علمنا قبل حوالي عشرة أيام برفض موسكو نورودني تأكيد خطاب الاعتماد الصادر عن البنك المركزي السوري، ولاحظنا إعادة جدولة صندوق النقد الدولي في أغسطس/آب لبعض المدفوعات السورية).
وأشار المصدر إلى أن محافظ البنك المركزي، الفرا (2) ( ورد الاسم Furia في نص الوثيقة / انظر في الحواشي) قدم عدة خطط للخروج من المأزق إلى الأتاسي، لكن الأخير رفضها جميعًا بحجة أنها لا تتبع “المبادئ الاشتراكية”.
سري/LIMDIS
رفع السرية
الجهة ND469044
سري / ليمديس
3
بيروت A-428
جاءت نقطة التحول الحاسمة بسبب شجار تافه بين صهر الأسد ومعاون الأتاسي؛ وكانت نتيجته طرد المعاون من منزل الأسد.
بعد ذلك، استقال الأتاسي من منصبي الرئيس ورئيس الوزراء، لكنه احتفظ بمنصبه كأمين عام لحزب البعث.
يسعى مؤتمر الحزب المنعقد حاليًا إلى تسوية هذه القضايا واختيار رئيس جديد لجمهورية سورية.
وتوقع المصدر أن يكون خلفاء الرئاسة المحتملون هم : مصلح سالم، الذي يعتقد المصدر أنه سيفوز، ومصطفى طلاس، ووزير الاقتصاد خدام، الذي لا تزال فرص فوزه ضئيلة.
على الرغم من ارتباط طلاس الوثيق بالأسد، إلا أن هناك العديد من النقاط السلبية ضده – سمعة ارتياده النوادي الليلية حيث تدفع هيئة الأركان العامة للجيش فواتيرها، وزوجة متسلطة تتحكم في جدول مواعيده (وهي من عائلة الجابري المرموقة سابقًا في حلب)، بالإضافة إلى شائعات حول فضائح تتعلق بتفضيلات رخص الاستيراد.
يعتبر المصدر خدام شخصًا عاقلًا لا يزال يحاول إقصاء الشيوعيين من وزارته التي عيّنها سلفه زهير الخاني.
من نقاط قوته أن علي ظاظا رئيس الشعبة الثانية في سوريا، هو صهره.
استبعد المصدر رباح طويل بسبب فضائحه المالية، وعلاقاته النسائية وشائعات تصويره مرارًا وتكرارًا وهو يرتاد النوادي الليلية.
لا يزال دور صلاح جديد غامضًا كعادته.
اختفى عن الأنظار رغم الشائعات التي تشير إلى أنه لا يزال في دمشق.
بينما لا يزال منسوبا الى اليسار، أشار المصدر إلى صلاته العلوية بالأسد، ونُسب عن الأتاسي نفسه قوله إنه لا يعرف بالضبط أين يقف جديد.
أما فيما يتعلق بالدور السوفيتي في الأزمة الحالية، فقد شكك المصدر في فاعليته. وأشار إلى الضغوط السوفيتية على الأتاسي لانسحاب سوريا من الأردن.
كانت الحجة الرئيسية التي استخدمها السوفييت هي خطر التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط. وقال المصدر إن الأتاسي، بحسب شائعات في الأوساط الحزبية، جادل مع كوسيجين في جنازة عبد الناصر بأنه لا يوجد فرق بين التدخل السوري في الأردن والتدخل السوفييتي في تشيكوسلوفاكيا، والذي أجبر السوفييت السوريين على التصفيق له.
تشتبه مصادر حزبية في أن إجابة كوسيجين كانت غير قابلة للطباعة.
رفع السرية
الجهة NND469044
سري / LIMDIS
سري / ليمديس
4
بيروت A-428
أشار المصدر إلى أن صحافة دمشق لا تزال تهاجم الجيش باعتباره عميلاً للإمبرياليين الغربيين واحتكارات النفط، محذرة من أن مصيرهم سيكون مماثلاً لمصير الجنرال حافظ (المقصود هو الفريق أمين الحافظ) وميشيل عفلق وصلاح البيطار، الذين عُزلوا جميعاً في انقلاب فبراير 1966.
وخشي المصدر أن يكون من عواقب هذا الهجوم تأجيل أي إجراء بناء لإعادة فتح خط التابلاين، لأن الجيش سيرغب في تجنب تهمة الخيانة.
وفي الوقت نفسه، أشار إلى أن الجيش ينشر تقارير في دمشق تفيد بأنه ليس يمينياً ولا يسارياً، بل هو في منتصف الطريق.
ولا يزال مؤتمر الحزب ينعقد خارج دمشق في يعفور ( Yafud في نص الوثيقة) قرب قطنا أو في المزة، إحدى ضواحي دمشق.
ظنّ المصدر أن النتيجة ستكون القضاء على بعض الأعضاء اليساريين في جماعة زعين – ماخوس، وعلى الأرجح عيد عشاوي الذي أُجبر على ترك وزارته عام 1969 لتجنب مواجهة تهمة القتل.
تعليق:
مصدرنا معروف منذ سنوات عديدة.
أفادت مصادر أخرى بشكل موثوق في الماضي.
أعطتنا مصادر أخرى نفس الرواية تقريبًا.
توقيع
بوفوم
سري
BUFFUM
Declassified
Authority NND469044
SECRET/LIMDIS
منشيء الوثيقة هو السفير الامريكي في بيروت ويليام ب بوفوم
ولد السفير بوفوم في بينغهامتون، نيويورك في 10 سبتمبر 1921، وخدم في جيش الولايات المتحدة أثناء الحرب العالمية الثانية. انضم في وقت لاحق إلى الخدمة الخارجية. في عام 1970، رشحه رئيس الولايات المتحدة ريتشارد نيكسون كسفير لأمريكا في لبنان وظل في هذا المنصب حتى عام 1974. ثم رشحه نيكسون مرة أخرى لمنصب مساعد وزير الخارجية لشؤون المنظمات الدولية.
توفي وليام بوفوم في 13 أبريل 2012 في منزله في جزيرة هاواي.
الحواشي:
الصاعقة(1) : منظمة الصاعقة ، واسمها الرسمي **طلائع حرب التحرير الشعبية – قوات الصاعقة**، هي منظمة فلسطينية قومية تأسست عام **1966** وكانت موالية لحزب البعث السوري. نشأت المنظمة بناءً على قرارات **المؤتمر القومي التاسع لحزب البعث** في سوريا، الذي دعا إلى تبني **حرب التحرير الشعبية** .
الفرا(2) : ورد الاسم في نص الوثيقة Furia : كان عدنان الفرا محافظ مصرف سوريا المركزي من 18 أغسطس 1963 حتى 16 ديسمبر 1970، أي حتى بعد شهر تقريبًا من تولي حافظ الأسد رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع في 21 نوفمبر 1970. بعد انتهاء فترة الفرا، بقي المنصب شاغرًا لمدة شهرين حتى تولى نصوح الدقاق إدارة المصرف في فبراير 1971، بالتزامن مع وصول الأسد إلى رئاسة الجمهورية .
اقرأ أيضا :
الحلقة الأولى من سلسلة : وثائق تكشف خفايا
حصري: وثائق الخارجية الأمريكية : رفات الجاسوس الاسرائيلي إيلي كوهين
ماهر حمصي