قالت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) إن عوامل تغير المناخ وتعثر الاقتصاد والقضايا الأمنية العالقة تضافرت لتلحق ضررا بالغا بإنتاج سوريا من الحبوب عام 2022، مما ترك غالبية مزارعيها في مواجهة وضع حرج ومحفوف بالمخاطر.
وقال مايك روبسون ممثل المنظمة في سوريا إن محصول القمح في سوريا لعام 2022 بلغ نحو مليون طن بانخفاض 75 بالمئة عن مستويات ما قبل الأزمة في حين أن الشعير بات شبه منعدم.
وأدى عدم انتظام هطول الأمطار في الموسمين الماضيين إلى تقلص محصول القمح في سوريا الذي كان يبلغ نحو أربعة ملايين طن سنويا قبل الحرب، وهي كمية كانت تكفيها لإطعام شعبها وكذلك تصديرها إلى البلدان المجاورة في الظروف المواتية.
والآن وبعد أكثر من مرور عقد على الانتفاضة ، يكابد العديد من المزارعين ظروفا اقتصادية قاسية ومشاكل أمنية في بعض المناطق في الوقت الذي يحاولون فيه التكيف مع تغير ظروف الطقس.
وتفرض ضآلة المحصول المزيد من الضغوط على النظام السوري التي ترزح بالفعل تحت العقوبات إذ تواجه متاعب جمة للحصول على القمح من السوق الدولية. ولا تخضع الشحنات الغذائية للعقوبات الغربية لكن القيود المصرفية وتجميد الأصول جعلت من الصعب على معظم الشركات التجارية التعامل مع دمشق.
وباءت بالفشل العديد من عطاءات الاستيراد الدولية التي أجرتها المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب (حبوب) وهي المشتري الرئيسي للدولة، مرارا في السنوات الماضية في حين جاءت معظم شحنات القمح من روسيا، حليفة دمشق الوثيقة.
ومما زاد الأمر سوءا، ارتفعت أسعار القمح العالمية منذ فبراير شباط بعد أن أوقف غزو موسكو لأوكرانيا تدفق صادرات الحبوب من البحر الأسود لعدة أشهر.
وقال روبسون “تغير المناخ ليس سهلا على أي حال، لكن في دولة مثل سوريا، فالصعوبة مضاعفة مع ارتفاع التضخم وانعدام الكهرباء وعدم وجود مدخلات إنتاج من نوعية جيدة، بجانب بعض القضايا الأمنية المعلقة التي لا تزال تعتمل في بعض أجزاء البلاد”.
ويعتمد الجزء الأكبر من محصول القمح في سوريا، وبالتحديد 70 بالمئة تقريبا، على هطول الأمطار مع تداعي أنظمة الري بسبب الحرب.
ومقارنة بالمساحات المزروعة، بلغ المحصول نحو 15 بالمئة فقط مما كان يتوقعه المزارعون من مناطق زراعة القمح التي تعتمد على الأمطار.
وأشار روبسون “عندما تهطل الأمطار، كانت تتركز في فترات بعينها ولم تتبع الأنماط التقليدية”.
وأضاف “التأخر في هطول الأمطار أدى إلى تعطل المزارعين ولم يتمكنوا من تجهيز أراضيهم في الوقت المناسب ثم انتهت الأمطار في أوائل مارس”.
وعادة ما يزرع المزارعون في سوريا محصولهم من القمح في الفترة ما بين نوفمبر تشرين الثاني وديسمبر كانون الأول ويحصدون المحصول في الفترة من مايو أيار إلى يونيو حزيران.
كما أن الاقتصاد السوري يرزح أيضا تحت وطأة الصراع المعقد والمتعدد الأطراف الذي دخل عامه الثاني عشر.
وأدى انهيار الليرة السورية إلى ارتفاع أسعار النوعيات الجيدة من الأسمدة والبذور وكذلك الوقود اللازم لتشغيل مضخات المياه. وأمعنت سوريا يوم الاثنين في إضعاف سعر الصرف الرسمي مقابل الدولار بنحو سبعة بالمئة.
وفي المعتاد، ينتج الهكتار الواحد من الأراضي المروية والمزروعة بالقمح بين ثلاثة وأربعة أطنان ولكنها حاليا تنتج طنين فقط تقريبا مع معاناة المزارعين في الحصول على المدخلات الزراعية الأساسية.
وجود محفوف بالمخاطر
حجم الإنتاج الذي بلغ مليون طن هو أقل بكثير من تقديرات النظام السوري بإنتاج نحو 1.7 مليون طن.
ولم يرد النظام على الفور على طلب للتعليق على الأرقام.
وتعني تقديرات المنظمة أن هناك حاجة لاستيراد نحو مليوني طن من الخارج لتوفير الغذاء لسكان المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.
وأدى انخفاض أسعار القمح عالميا في أغسطس آب، لأسباب من بينها استئناف صادرات الحبوب من أوكرانيا بموجب اتفاق تم التوصل إليه في يوليو تموز بين كييف وموسكو، إلى جعل الوضع أقل سوءا مما كان عليه قبل شهرين، إلا أنه لا تزال هناك مخاوف بشأن قدرة الحكومة على توفير التمويل اللازم لتغطية المشتريات.
وقال روبسون “السوق (الدولية) تعود ببطء لمسارها الطبيعي، لكنني ما زلت قلقا لأنه من الواضح أن هناك حاجة للعملات الأجنبية لشراء القمح”.
ومع انعدام محصول الشعير أيضا، فضل بعض رعاة الأغنام التخلص من حيواناتهم وبيع معظمها بالنظر لكونهم غير قادرين على إطعامها.
وكانت سوريا تنتج ما يتراوح بين أربعة وخمسة ملايين طن من أعلاف الشعير سنويا لإطعام مواشيها، إلا أن كثيرين يواجهون متاعب جمة هذا العام للحفاظ على مصدر رزقهم.
وقال روبسون “عندما يحتاج مربو الأغنام لشراء الأعلاف، فإنهم عادة ما كانوا يبيعون حيوانا واحدا لشراء طن من الشعير على سبيل المثال، وهكذا يمكنهم إطعام 20 حيوانا بها”.
وأضاف “هذا العام سيحتاجون لبيع عشرة حيوانات”.
وظهرت تأثيرات هذا التغير بالفعل في سوق المواد الغذائية حيث تُباع لحوم الدواجن الآن بأسعار تفوق تلك الخاصة بلحم الضأن، حيث يواصل المربون المتعثرون ماليا بيع أغنامهم.
وأوضح روبسون “السعر سينخفض كثيرا، ولكن بعد ذلك سيصبح هناك نقص في المعروض وستكون هناك مشكلة حقيقية”.
وتعاني المناطق التي تنمو بها الأعشاب نسبيا في الشتاء ويمكن استخدامها لرعي الحيوانات من مشكلات أمنية طويلة الأمد، ولذلك يفضل مربو الماشية عدم المجازفة بالذهاب إليها.
وأصبح المزارعون الذين لم يتمكنوا من تحقيق ربح خلال العامين الماضيين منهكين ماليا حاليا وقد يفكرون في البحث عن مصادر رزق أخرى، وليس تحمل المزيد من الديون لزراعة المزيد من الحبوب.
وأكد روبسون “ظروف الزراعة المعتمدة على الأمطار تظل غامضة ومحفوفة بالمخاطر للغاية حاليا”.