لوبوان : المطاردة الكبرى لمجرمي الحرب السوريين

“هو مكتب كبير ومشرق في الطابق الأرضي من مبنى حديث ، مع نافذة ممتدة من الأرض حتى السقف تنفتح على زقاق تصطف على جانبيه الأشجار في ضواحي برلين. في وسط الغرفة ، حول طاولة كبيرة ، يلتصق الموظفون في أواخر الثلاثينيات من عمرهم بشاشات الكمبيوتر. تبدو وكأنها شركة ناشئة أو شركة معمارية. هذا المكان الخفي ، بدون علامة أو عرض ، يضم في الواقع واحدة من أكبر قواعد البيانات المتاحة عن الحرب التي دمرت سوريا لأكثر من عشر سنوات: أصبح الأرشيف السوري ، وهو منظمة أسسها ناشطون سوريون في المنفى ، ترسًا أساسيًا في السعي.

يقول مؤسس المنظمة، هادي الخطيب، الذي وصل إلى برلين سنة 2014: “الهدف الرئيسي هو الحفاظ على الأدلة لتوثيق جرائم الحرب وتشكيل ذاكرة رقمية للأحداث”.

وأضاف: “بدأتُ مهمة أرشفة البيانات بنفسي حتى لا أفقد بعض المعلومات المهمة. بعد ذلك، التقيت هنا بخبراء من الأمم المتحدة ومنظمة هيومن رايتس ووتش، والمحكمة الجنائية الدولية. حاليا، يوظف هذا الهيكل الذي يهدف إلى توثيق الجرائم، 20 شخصا، وهو يعمل أيضًا على توثيق النزاعات في مناطق أخرى مثل السودان واليمن وبورما”.

ووثقت المنظمة عشرة آلاف مقطع فيديو تظهر الجرائم في الحرب السورية.

الهجمات الكيماوية ضد المدنيين تعد القضية الأبرز التي تتشبث بها المعارضة السورية لملاحقة نظام بشار الأسد قضائيا على الصعيد الدولي.

ولفتت إلى أن منظمات حقوقية سورية قدمت سنة 2021 شكاوى في ثلاث دول، هي ألمانيا والسويد وفرنسا.

وبقول مازن درويش مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير ومقره باريس: “لقد عملنا على هذا الملف لمدة أربع سنوات. تمكنا من تحديد 491 دليلا بالصور ومقاطع الفيديو والشهادات، وقد حددنا القيادات المسؤولة عن هذه الجرائم”.

وفي فرنسا، لا يوجد ما يسمى بالحكم الغيابي، ووجود المشتبه به أو الضحية على الأراضي الفرنسية شرط ضروري لبدء المحاكمة. يوضح الناشط السوري قائلا: “وجدنا ضحية فرنسية، عائلة سورية من دوما تحمل الجنسية الفرنسية، تعرضت لهجوم كيميائي سنة 2013. وفي الوقت الحالي، تعد القضية سارية وقد عقدت الجلسات الأولى”.

ويقول درويش: “لا نتوقع منهم أن يرسلوا بشار أو شقيقه ماهر الأسد [قائد الفرقة الرابعة المدرعة في الجيش السوري المشتبه في مسؤوليته عن هجمات غاز السارين في الغوطة سنة 2013]، وراء القضبان، لكننا نأمل بصدور حكم يدين النظام ودحض روايته”.

وتطرقت المجلة إلى محاكمة العقيد أنور رسلان ومساعده إياد الغريب في الأشهر الأخيرة في كوبلنتس غرب ألمانيا، حيث تعد أول محاكمة علنية في أوروبا ضد شخصيات تابعة للنظام السوري.

ووجهت أصابع الاتهام إلى رسلان، ضابط المخابرات والرئيس السابق للفرع 251 لأمن الدولة بين سنتي 2011 و2012، بالإشراف على تعذيب أكثر من أربعة آلاف معتقل، بينهم 58 على الأقل لقوا حتفهم بسبب التعذيب وسوء المعاملة.

انشق الضابط السوري رفيع المستوى في شهر أيلول/ سبتمبر سنة 2012 ثم فر إلى برلين. وكشف ضحايا سابقون عن التجاوزات التي قام بها رسلان، وتم فتح تحقيق فرنسي ألماني مشترك ضده، قبل أن يتم اعتقاله سنة 2019.

وتقدم 17 مدعيا، من بينهم 12 ضحية مروا بسجون الفرع 251 من أجل الإدلاء بشهاداتهم. وقد طالب مكتب المدعي العام الاتحادي في ألمانيا بتسليط عقوبة السجن مدى الحياة على رسلان، ومن المتوقع أن يصدر الحكم بتاريخ 13 كانون الثاني/ يناير 2022.

وذكرت المجلة أن ثلثي التحقيقات المفتوحة في القارة الأوروبية تتعلق بمسؤولين مرتبطين بالنظام، أما بقية المتهمين، فهم من تنظيم الدولة ومقاتلون أكراد.

وأشارت إلى أن الدول الأوروبية تشهد بشكل مستمر إجراءات جديدة لملاحقة مرتكبي الجرائم في سوريا منذ عام 2011، بفضل جهود عدد من المحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وتم فتح أكثر من 80 تحقيقا في جميع أنحاء أوروبا، وهناك 11 محاكمة جارية حاليا، أربعة منها في فرنسا، وثلاثة في ألمانيا، وواحدة في هولندا وأخرى في النمسا واثنتان في السويد.

وتؤكد رينا ديفغون، المدعية السويدية المسؤولة عن الجرائم ضد الإنسانية أنه “منذ تعديل القانون سنة 2014، لم يعد من الضروري أن يكون المشتبه به موجودا على الأراضي السويدية”.

وأكدت المجلة أنه بفضل التنسيق بين دول عدة، فقد رفعت دعاوى ضد كبار المسؤولين في الجيش والشرطة ومخابرات النظام في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا والسويد خلال الأشهر الأخيرة، ويتصدر رئيس المخابرات السورية، علي مملوك، قائمة المطلوبين للعدالة، لكن الكثير من العراقيل ما زالت موجودة في أوروبا.

وأضافت أن الاشتباه في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية استخدمت مبررا لرفض طلبات اللجوء، لكن لا يتم اتخاذ الإجراءات الضرورية ضد المشتبه بهم. وقد عززت عودة شقيق الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، رفعت الأسد، إلى سوريا بعد غياب دام سنوات طويلة، هذا الانطباع، حيث يلقب بـ”جزار حماة” نظرا لدوره المحوري في قمع انتفاضة الإخوان المسلمين ضدّ الحكومة سنة 1981، ومذبحة سجن تدمر.

وأصدرت محكمة الاستئناف بباريس في 9 أيلول/ سبتمبر حكما يقضي بسجن رفعت الأسد لمدة أربع سنوات جراء تورطه في قضايا غسيل أموال وتهرب ضريبي. وجمع “جزار حماة” خلال إقامته في فرنسا ثروة تتجاوز الـ90 مليون يورو عن طريق الاحتيال.


عن مجلة ” لوبوان ” الفرنسية ، للاطلاع على الموضوع الأصلي اضغط هنا

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية