الصحفي الذكي .. والغبي ..لـ : سعد فنصة

سعد فنصة
كاتب و مؤرخ و مصور سوري

كان والدي الراحل بشير فنصة .. رئيس تحرير “الف باء”و”الانباء” في دمشق الاربعينات والخمسينات .. مدرسة حقيقية في الصحافة …أراد أن يلعب لعبة الحرية والديموقراطية فجاء من أوقفه .. وأوقفها على حد تعبير الاديب وليد إخلاصي، في احد أحاديثه العامة عنه .. فلعبها معنا في الأسرة ، اذ لم أفقس بعد من البيضة كما كانوا يقولون عني .. أسست جريدة منزلية مستقلة كنت فيها المحرر الوحيد اضافة الى أنني نصبت نفسي رئيسا أوحد للتحرير بالضرورة .. وكنت أبيعها بثمن يكفي مؤونتي لبعض الالعاب المشتهاة .. كذلك أنواع محددة من الشوكولاه والسكاكر التي كانت متاحة في زمني الماض .. اذ لم يكن دافعي الوحيد نشر الثقافة والسخرية من الاهل والاقرباء .. وحتى الجيران .. وبعض الزعماء الذين كنت أراهم يتكررون على شاشة الابيض والاسود ..فحسب .. اذ كان الاهل والاشقاء _ كنت أصغر أشقائي سنا _ يقبلون على شرائها بكل اهتمام وجدية .. حتى لاقت كتاباتي رواجا حقيقيا بين ..أصدقاء الاصدقاء .. ولا زلت أحتفظ بنسخ مطبوعة عنها بواسطة ورق الكربون ..وكان اسم جريدتي ( عباقرة الصحافة ) واذكر اني استعرت هذا الاسم من احدى قصص مجلتي الاثيرة في ذلك الزمان .. وأقصد مجلة “ميكي”.. التي أستمتع الي اليوم بقراءتها .. كما هو استمتاعي بقراءة البلاي بوي بنسختها الانكليزية الاصلية .. ولم يسلم بعض الزعماء والقادة والساسة من قلمي الناقد .. الساخر .. خصوصا الكولونيل الشهير منهم (القذافي) ..اذ كنت اراه يصلح لان يكون ممثلا في احدى مجلات القص المصور التي كانت تصدرها بيروت في بداية السبعينات من القرن الماض .. باسم “فوتو ريما” ..أو “دليلة كالور” و غيرها من مجلات ربات البيوت والمراهقات الحالمات .. و لم أكن قد تجاوزت العاشرة بعد من عمري .. واذ لم تمض سنوات عشر اخرى و الا كنت صحفيا حقيقيا .. يحذف مدير التحرير ثلاثة أرباع ما أكتب ويترك الربع للقراء.. اذ كان يقول لي: “هناك صحفي غبي .. مثلك تماما ..(أي مثلي أنا ) يكتب كيفما اتفق .. وبأي طريقة شاء .. لتأتي أول دورية مخابرات من الأنظمة ( الديموقراطية ) التي تظللنا بظلالها الحديدية وتلقي القبض عليك .. و تزج بك في غياهب السجون .. وهكذا أرى مستقبلك أمامي يا بني الغبي سعد .. أما الصحفي الذكي .. الذي أمثله أنا ..( ويقصد ذاته ) فبقليل من الحنكة .. أستطيع أن أقول كل ما بنفسي .. وكيف ما بدى لي صحيحا وبكل جرأة ..دون أن يطرق بابي ..أحد او أن يقلق منامي خطوات سجان ..أو حتى تصدع رأسي صفارة شرطي مرور” .. وهكذا … نامت الصحافة طويلا .. بالعسل .. وأما أنا فقضيت معظم أيام عمري في سجن .. كبير .. !!

** النص كتب ونشر في دمشق


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية