لماذا يكثر ترامب من استخدام علامة التعجب؟!

لماذا يكثر ترامب من استخدام علامة التعجب؟!

قد يكون من باب المبالغة أن نقول إن القاعدة التي تحكم استخدام علامة التعجب هي أن تتجنب استخدامها تماما. لكن في الحقيقة، من الأفضل ألا تستخدمها إلا فيما ندر.

وينص دليل شيكاغو للكتابة والتوثيق الأكاديمي باللغة الإنجليزية، وهو أحد المراجع العريقة في هذا الشأن، وتصدره جامعة شيكاغو منذ عام 1906، على أن علامات الترقيم: “يجب أن تستخدم باعتدال لتنقل الأثر المراد”.

لكن دونالد ترامب لا يقتصد في استخدام علامة التعجب. ومن مكتبه البيضاوي، يصدر ترامب علامات تعجب أكثر مما يصدر من أوامر تنفيذية.

وبالبحث في حساب ترامب على موقع تويتر، تبين أن ترامب استخدم علامات التعجب 2,251 مرة في تغريداته في عام 2016 فقط.

وقد اخترت بنفسي 100 تغريدة للرئيس ترامب، اختيارا ليس عشوائيا تماما، وقد لاحظت أن ترامب استخدم فيها كلها، باستثناء 32 تغريدة فقط، علامات التعجب. وهذا يعني أنه من المحتمل بنسبة 68 في المئة أن ينهي ترامب تغريداته بعلامة تعجب ليعبر عن فرط دهشته.

إذن، ما الذي استجد على علامات التعجب؟ ومن أين أتت علامات التعجب؟ وإلى من توجه؟ وهل يدل استخدام الرئيس الأمريكي لها على فعاليتها في التعبير عن الدهشة؟ وهل تستغل لأغراض سياسية؟ وهل يعد هذا بداية لانتشار ظاهرة جديدة؟ أم هو استغلال للأساليب النحوية من أجل المماطلة؟

يكتب بيل برايسون، أحد أبرز الكتاب في الولايات المتحدة، أنه جرى العرف على استخدام علامات التعجب “للتعبير عن الانفعالات القوية، كما هو الحال عندما تقول: ‘اغرب عن وجهي!’ أو للتعبير عن الاستغاثة مثل ‘ساعدوني!’.

[dt_fancy_image image_id=”21390″ onclick=”lightbox” width=”” align=”center”]
[dt_fancy_image image_id=”21391″ onclick=”lightbox” width=”” align=”center”]

صاغ دكتور صامويل جونسون، مؤلف القواميس، في القرن الثامن عشر مصطلح “التعجب” للتعبير عن الانفعالات والعواطف

[dt_fancy_image image_id=”20919″ onclick=”lightbox” width=”” align=”center”]

ولا تقتصر أهمية علامات الترقيم على تغيير النبرات الصوتية فحسب، بل قد تسخدم أيضا لإخراجك من مآزق ما.

وقد تنقذ علامات الترقيم حياة البعض، فقد يختلف معنى كلمة عن أخرى تحمل نفس الأحرف تماما عند إضافة علامة التعجب، مثل الفرق في الإنجليزية بين كلمة “Duck” التي تعني (بطة)، ونفس الكلمة لكن تعقبها علامة تعجب “Duck!” (والتي تعني “اخفض رأسك!” كي تتجنب الإصابة برصاصة مثلا، أو أي شيء قد يصطدم به).

ويشير مثال برايسون هنا إلى أهمية علامات الترقيم للدلالة على وجوب الاستجابة الفورية، وطلب الأمان، والتعبير عن الخوف. ولذا فلا غرابة إن أشارت الصحف في الماضى إلى علامة التعجب بأنها “علامة تأثر”، أو “علامة الدهشة” أو أنها “بديل للصياح”، ولا عجب إن كانت الصحف من أشد مؤيدي استخدام علامات التعجب أيضا.

كانت علامة التعجب في بادئ الأمر تعبر عن انفعالات أكثر هدوءا وأقل صخبا، ففي أواخر القرن الرابع عشر كانت تسمى “علامة الإعجاب”، وبحلول القرن السابع عشر، باتت “علامة التساؤل”. إذ كان الغرض من العلامة التعبير عن الترحيب والإعجاب والشكر والتقدير، وكلها استخدامات قد تروق لنا الآن في ظل هذا العصر.

كما أشارت دراسات حديثة إلى أن النساء ينزعن إلى استخدام علامات التعجب أكثر من الرجال، وليس السبب أن النساء أسرع انفعالا من الرجال كما يزعم البعض، بل لأنهن يملن إلى التعبير عن الإعجاب أكثر من الرجال.

والعجيب أن أحد المعلقين ذكر أن ترامب لم يتعرض لانتقادات بسبب تعليقاته “الهيستيرية” المتعلقة بالمرأة، التي أطلقها في إطار حملته الانتخابية، في حين وجهت الكثير من الانتقادات لهيلاري كلينتون، لأنها لم تساند قضايا المرأة بالقدر الكافي. وفي الحقيقة لم تستخدم كلينتون ما يكفي من علامات التعجب.

وهذا التحول من التعبير عن الإعجاب إلى التعبير عن التعجب له دلالات، فالإعجاب يوجه إلى شيء أو شخص غيرك، مثل “ما أروع العمل الذي أنجزته!”، أما التعجب فينصب على نفسك، مثل “بالطبع أنا!”، ولهذا تعد علامة التعجب هي علامة الذات في علم النحو، أو “السيلفي” كما اصطلح على تسميتها حديثا.

وتستخدم علامة التعجب منذ وقت طويل للتعبير عن غرضين متناقضين، إذ وصفها راندل كوتغراف، مؤلف القاموس الفرنسي/ الإنجليزي سنة 1611، بأنها “علامة للتعبير عن الإعجاب (والكراهية)”.

وقد صاغ تعبير “التعجب” الدكتور صامويل جونسون، الناقد اللغوي الإنجليزي ومؤلف القواميس، والذي يوصف أيضا بالقارئ النهم، لتستخدم في الجمل المثيرة للشفقة، التي تتضمن الكثير من العواطف، ومن هنا جاءت تسميتها بعلامة التعجب، أو علامة التأثر.

العلامة الأكثر شهرة على الإنترنت

استخدمت علامات الترقيم بشكل عام، وعلامة التعجب بشكل خاص، في الكثير من المواضع، حتى نهاية القرن التاسع عشر.

وكان الكتّاب في عهد الملكة فيكتوريا يستحسنون استخدام علامة التعجب، حتى أن أنطون تشيخوف، كتب قصة عنوانها “علامة التعجب”، تدور حول موظف حكومي مصاب بجنون الارتياب أدرك عندما بلغ أربعين سنة أنه لم يستخدم علامة التعجب قط، على عكس دونالد ترامب تماما.

وفي بداية القرن العشرين، نادى كل من الأخوين فوولر، مؤلفي المعاجم والقواميس، في كتابهما “كينغز إنجليش” سنة 1906، بالترشيد في استخدام علامات التعجب، وقدموا أدلة تؤيد التخفيف من استخدام علامات الترقيم إلى أقل حد ممكن، كما هو الحال اليوم، اعتراضا على إفراط أجدادهم في استخدامها.

وحدد الأخوان فوولر استخدامات علامات التعجب بدقة، إذ كتبا: “يجب أن تستخدم النقطة في أخر الجملة، باستثناء حالة واحدة، إذا كانت الجملة تعبر عن التأثر الحقيقي”.

ويقصدون بالتعجب الحقيقي الكلمات أو العبارات التي تعبر عن الانفعال القوي أو الغضب، والضيق، أو الأوامر، أو للتعبير عن الدهشة.

ولهذا الاستثناء الذي يشيران إليه دلالات، إذ ذكرا في كتابهما أن علامة التعجب تستخدم “عندما يرغب الكاتب في التعبير عن عدم تصديقه للأمر، أو عن مشاعر أخرى حيال الجملة التي اقتبسها عن شخص آخر”.

ولهذا فإن علامة التعجب وسيلة للتعبير عن “استهانتك بما قيل بدقة وبإيجاز” على حد وصفهما.

وسنبني قاعدتنا على استثتاء الأخوين فولوور. فمنذ القرن الماضي وحتى القرن الحالي، تستخدم علامة التعجب للتعبير عن الاستهزاء أو التهكم، أو كما قال سكوت فيتزجيرالد، إن من يستخدم علامات التعجب “كالذي يبادر بالضحك على النكات التي يلقيها”.

وبالطبع، علامة التعجب هي العلامة الأنسب للمرحلة الأخيرة في التطور الثقافي والاجتماعي البشري، أو ما يسميه البعض “نهاية التاريخ”، فقد ساعد البريد الإلكتروني والمنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي وتبادل التعليقات في انتشار علامات التعجب المتعددة، سواء كانت تستخدم في محلها أو في غير محلها.

وكلما تعددت علامات التعجب، زاد التشويق، واعتدت على استخدامها، وبات من الصعب أن تتخلى عنها في محادثاتك، وبالتالي، خلا كلامك من المعنى والمضمون!!!!

ولكن هل يوجد من بين كل هذه العلامات، تعبير حقيقي عن التعجب؟ وهل يمكن الاعتدال في التعبير عن التأثر، كما هو الحال في غيره من الأمور؟ أليس هناك رابط عجيب بين الإكثار من الشيء وانعدامه؟

مما لا شك فيه أن علامة التعجب ليست علامة بسيطة، إلا إنها أقل تعقيدا من النقطتين الرأسيتين، التي قال عنها الأخوان فوولر إنها “تسلم السلع المنصوص عليها إجمالا في الجملة التي تسبقها”، كما أنها تختلف عن الفصلة المنقوطة التي أبرز أهميتها ثيودور أدورنو، الناقد الألماني، وقال إنها تضفي مذاقا قويا على الجملة.

وتفتقد علامة التعجب صرامة الفاصلة التي تعيد الحيوية إلى النص، فتفصّل الجمل والعبارات تفصيلا. وبالطبع لا تنقلنا علامة التعجب من جملة إلى أخرى كما تنقلنا الشرطتان، التي أحسنت إميلي ديكنسون توظيفها في كتاباتها، ولا تحمل المعنى المقدّر الذي تضمره علامة الحذف.

لا أحد يعرف بعد لماذا انتشر استخدام علامات التعجب بلا قيود إلى هذا الحد في موقع تويتر، ولا سيما في العالم الحر، الذي تسوده الديموقراطية. وربما تستخدم للإعجاب تارة، وللدهشة تارة أخرى، ولكن لا ننكر أنها قد تعبر عن الخوف، وربما التهكم والاستهزاء أيضا.

وربما يدل الإفراط في استخدام أداة ترقيم بعينها عن بعض سمات شخصياتنا، كما هو الحال إذا أفرطنا في استخدام أي شيء آخر. وقد يوجد رابط بين تنظيمك للجمل التي تكتبها، من خلال علامات الترقيم، وبين تنظيمك لشؤون حياتك.

إذن فما هو الاستخدام الأمثل لعلامة التعجب والكراهية في نهاية المقال؟ من الأفضل أن ننهي بها إحدى العبارات الشهيرة التي تُنسب لترامب: “استعدوا لسماع ما سيطرأ من تطورات!”

 

[dt_quote type=”pullquote”]عن BBC  للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.[/dt_quote]

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية