– بلا رتوش:
يوم 17 أبريل 2025، امتدت يد الأمير خالد بن سلمان لتصافح اللواء محمد باقري، في لحظة كانت أكثر من مجرد لقاء دبلوماسي. كانت شرارة بداية، خيطًا رفيعًا في نسيج معقد من الزيارات، المفاوضات، والتحركات العسكرية التي تجتاح الشرق الأوسط. من شوارع دمشق النابضة بالأمل إلى قاعات روما السرية، وصولًا إلى منصة أنطاليا المتأججة، تنسج هذه الأحداث لوحة متلاطمة الألوان: هل ستكون فجر استقرار، أم ستشتعل المنطقة بنيران تصعيد جديد؟
طهران والرياض: مصافحة تحمل ألف معنى
في تلك القاعة الطهرانية، لم تكن المصافحة مجرد بروتوكول. رسالة الملك سلمان، التي حملها الأمير خالد إلى المرشد الأعلى، كانت بمثابة جسر معلق فوق هاوية عقود من الجفاء. منذ اتفاق بكين 2023، بدأت الرياض وطهران في تبادل الزيارات، لكن هذه اللحظة كانت مختلفة. “علاقاتنا العسكرية تنمو”، همس باقري، بينما ردت وكالة الأنباء السعودية بنبرة واثقة عن “الفرص المستقبلية للتعاون في المجالين العسكري والدفاعي”. حرصت وسائل الإعلام الإيرانية على التركيز على أوجه التعاون التجاري بين الدولتين لتروي قصة طموح لتجاوز الماضي.
لكن الخيوط الخفية تكشف المزيد. قبل يومين فقط من مفاوضات إيرانية-أمريكية في روما، بدا وكأن السعودية ترسل رسالة مزدوجة: إلى طهران لتهدئة مخاوفها، وإلى واشنطن لتأكيد دورها كوسيط. “لا أحد يريد حرباً على حدوده”، هي تلك المؤشرات، لكن السؤال يتسلل كالظل: هل تستطيع هذه المصافحة إخماد جمر اليمن وسوريا، أم أنها مجرد هدنة في انتظار الريح القادمة؟
روما: حيث تُكتب الصفقات في الظل
بعيدًا عن أضواء طهران، تحولت روما في 19 أبريل/نيسان إلى مسرح لمفاوضات إيرانية-أمريكية غامضة. بدأت القصة في مسقط، يوم 12 أبريل، حيث وصفت واشنطن الحوار بـ”البناء”. لكن النقلة إلى روما أشعلت التكهنات. هل كانت أوروبا، التي تخشى انهيار اتفاق نووي قبل أكتوبر 2025، تضغط لتسريع الخطى؟
عباس عراقجي أصر على أن عُمان لا تزال الوسيط، لكن مصادر دبلوماسية همست عن “دور أوروبي متزايد”.

إيران تلعب لعبة الوقت. بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، ترسل رسالة واضحة: لا ضربات عسكرية دون ثمن.
أمريكا، من جانبها، تحاول تفادي حرب قد تعرقل أجندة ترامب الانتخابية.
لكن شبح إسرائيل يخيم على المشهد. “لن ننتظر إلى الأبد”، حذر مسؤول إسرائيلي في “هآرتس“، مشيرًا إلى خطط لضربات وقائية. وسط هذا التوتر، تبدو روما كعازف يحاول تهدئة أوركسترا متصادمة. لكن هل ستنجح النغمة، أم ستتحول إلى صرخة حرب؟
دمشق: نبض يعود إلى العاصمة
في شوارع دمشق، حيث تخفق قلوب السكان بين الأمل والخوف، تتحرك الأحداث كموجات متتالية.
في حي جوبر الممزق بدمشق، يقف عمر حلبي ، 29 عامًا، متكئًا على عكاز، يراقب حفارة تكشف رفات رفاقه من مقبرة جماعية.
ساقه اليمنى، التي سلبها قصف نظام أسد البائد عام 2017، لم تسلبه حلمه.
“سقط النظام، لكن الخوف باقٍ“، يهمس، وهو ينظر إلى سماء مشوبة بالغبار. بين تحذيرات واشنطن من الفوضى ونبض دمشق الجديد، يتشبث عمر بخيط أمل: “أريد حياة لابنتي، لا قبورًا أخرى.”
يوم 18 أبريل، بدأت القوات الأمريكية تقليص وجودها من 2000 جندي إلى أقل من 1000، مخلفةً فراغًا يثير القلق. لكن دمشق لم تتردد. في اليوم التالي، فتحت أبوابها لوفد من الكونغرس الأمريكي، ثم رحبت بنواف سلام ووزيري الخارجية والدفاع اللبنانيين. الخارجية الأمريكية أعلنت عن رد سوري يلبي مطالبها الأمنية، بينما يستعد وزير الخارجية السوري لزيارة الأمم المتحدة، كمن يعلن عودة سوريا إلى المسرح العالمي.
أحمد الشرع، رئيس الحكومة السورية الجديدة، ينسج خيوطه بحذر. جولته عبر تركيا، الإمارات، وقطر، ثم لقاؤه مع رئيس الوزراء العراقي في الدوحة، رسمت صورة قائد يعرف قواعد اللعبة. في درعا، استسلم فصيل أحمد العودة وسلم أسلحته، معززًا قبضة الحكومة الجديدة. لكن خيط القلق يظل مشدودًا: “الخليج يراقب عن كثب”.
دمشق تحت المجهر: عاصفة تحذيرات تهدد الحلم السوري
لكن بينما ترتفع دقات قلب دمشق، هبت عاصفة من واشنطن ولندن لتهز الأمل الوليد. في 18 أبريل، أطلقت الخارجية الأمريكية صاعقة، مصنفةً سوريا كـ”ممنوعة السفر“، حيث الإرهاب يتربص والفوضى تلوح كسيف مسلط. “خطر يهدد السفارات والمنشآت”، جاء البيان حادا ، مشيرًا إلى فراغ أمني يعصف بالبلاد منذ انهيار نظام أسد الفار في ديسمبر 2024. لندن لم تتأخر، ففي 19 أبريل، رفعت راية حمراء، داعيةً رعاياها للهروب، محذرةً من انقطاع الدعم القنصلي.
هذه التحذيرات ليست مجرد تنبيهات، بل ستارة شك تخنق طموح دمشق. تحت عيون الغرب الحذرة، يتعثر أحمد الشرع في فك شيفرة واشنطن. “القيادة الجديدة تفتقر إلى الدهاء الدبلوماسي”، حذرت “نيويورك تايمز” في 17 أبريل، مشيرةً إلى أحلام تقارب سريع مع الغرب تبخرت تحت وطأة الشكوك.
الثمن مرير: اقتصاد يترنح، حيث يحلق سعر الذهب عند 828 ألف ليرة سورية، و5.3 مليون لاجئ يرقبون من بعيد، بينما شبح العزلة يطارد حلم الاعتراف الدولي.
وسط هذه النيران :
هل تستطيع دمشق صياغة درع أمني يصد أشباح الفوضى؟
أم ستبقى أسيرة ماضيها ، عاجزةً عن عبور جسر الثقة؟
وهل يملك الشرع الجرأة لتحويل هذه العاصفة إلى شراع يقود سوريا نحو فجر جديد؟
قطر وروسيا: من يقود الرقصة؟
في الدوحة، حيث التقى الشرع بالسوداني، وفي موسكو، حيث تبادل أمير قطر الحديث مع بوتين، تبرز قطر كعازف في هذه السمفونية الإقليمية. “نريد أن نكون مركز الدبلوماسية” .
روسيا، رغم انشغالها بأوكرانيا، تحاول الحفاظ على خيوطها في سوريا. لكن في ظل تراجع نفوذها، هل تستطيع موسكو مواكبة هذا الإيقاع المتسارع، أم أن الدوحة ستصبح المايسترو الجديد؟

تركيا: قوة وسطية أم صانعة قواعد؟
في أنطاليا، حيث تلتقي الأمواج بالجبال، وقف الرئيس رجب طيب أردوغان يوم 11 أبريل 2025، ليطلق صرخة مدوية في افتتاح منتدى أنطاليا الدبلوماسي. “النظام الدولي يتداعى!”، منددًا بصمت مجلس الأمن وانتهاكات إسرائيل في غزة، داعيًا إلى حوار يطفئ نيران الشرق الأوسط. خطابه لم يكن مجرد كلمات، بل إعلان طموح تركيا: أن تكون صانعة قواعد، لا مجرد لاعب على الطاولة.
أنقرة تنسج خيوطها ببراعة . في سوريا، استقبلت أحمد الشرع في زيارته الثانية لتركيا، معلنةً دعمها لدمشق الجديدة. لكن تركيا لا تكتفي بالمصافحات. نجحت في إقناع عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، بدعوة لنزع السلاح، ممهدةً لاتفاق تاريخي بين الشرع ومظلوم عبدي لدمج المؤسسات الكردية تحت راية المواطنة المتساوية. “أمن سوريا من أمن تركيا”، أكد أردوغان.
منتدى أنطاليا، الذي جمع قادة وزعماء ومثقفين من دول العالم ، عزز مكانة تركيا كجسر بين الشرق والغرب. مستفيدةً من تراجع إيران وروسيا في سوريا، ومن تحسن علاقاتها مع إدارة ترامب، تتأرجح أنقرة على حبل مشدود بحنكة.
لكن السؤال يتردد كالريح: هل تستطيع تركيا، التي تحذر من “ممر الإرهاب” في سوريا وتندد باعتداءات إسرائيل، أن تشكل الطاولة الإقليمية؟
لوحة ناقصة: أين المشهد التالي؟
كل خيط في هذه الدوامة يحمل إمكانية تغيير اللوحة. التقارب السعودي-إيراني، مثل نسمة باردة في صيف ملتهب، قد يبرد التوترات في اليمن وسوريا، لكنه يحتاج إلى نوايا صلبة.
مفاوضات روما، كشمعة في عاصفة، تحمل أمل تجنب الحرب، لكنها تتطلب تنازلات جريئة.
دمشق، التي تنبض من جديد، تقف على مفترق طرق: نهضة أم فوضى؟
تحذيرات واشنطن ولندن، كسيف معلق، تدق ناقوس الخطر، بينما تركيا تسعى ببراعة قيادة السمفونية.
المنطقة اليوم تتمايل على حبل مشدود.
خطوة واحدة خاطئة – في طهران، واشنطن، دمشق، أو أنقرة – قد تسقط الجميع في الهاوية.
لكن إذا نجحت الدبلوماسية في نسج خيوطها بحنكة، فقد نشهد فجرًا جديدًا.
السؤال الذي يتردد كالصدى: هل سيكون 2025 عام الاستقرار، أم بداية فصل آخر من الاضطراب.
شارك رأيك: هل تستطيع دمشق وأنقرة تحويل تحدياتهما إلى فرصة تاريخية؟
اترك تعليقك!
المصادر:
- وكالة الأنباء السعودية (SPA)، 17 أبريل 2025.
- وكالة الأنباء الإيرانية (ISNA)، 17 أبريل 2025 .
- رويترز، “Saudi Defence Minister’s Tehran Visit Signals Shift”، 17 أبريل 2025
- نيويورك تايمز، “US Drawdown in Syria Sparks Regional Concerns”، 18 أبريل 2025
- هآرتس، “Israel Warns of Action if Iran Talks Falter”، 18 أبريل 2025
- تشاتام هاوس، “Navigating Syria’s New Political Landscape”، 15 أبريل 2025
- الخارجية الأمريكية، “Syria Travel Advisory”، 18 أبريل 2025
- وزارة الخارجية البريطانية (FCDO)، “Syria Travel Warning”، 19 أبريل 2025
- مفوضية اللاجئين، “Syria Refugee Crisis Update”، 2024
- وكالة الأناضول، “Erdogan’s Antalya Diplomacy Forum Speech”، 11 أبريل 2025