نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية تقريرًا بعنوان “احتضان ترامب لبوتين يجعل ألمانيا تفكر في الأسلحة النووية”، أشارت فيه إلى أن التقارب بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين يحث الأوروبيين، وخاصة ألمانيا، على إعادة النظر في استراتيجياتهم الأمنية بعيدًا عن الاعتماد التقليدي على الحماية الأمريكية التي استمرت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وأوضح التقرير أن هذا التقارب قد يدفع ألمانيا إلى استكشاف خيارات تمكينها من امتلاك أسلحة نووية خاصة بها أو التعاون مع فرنسا وبريطانيا لتحقيق هذا الهدف، وهو توجه لطالما سعت الولايات المتحدة لمنعه على مدى عقود.
استندت الصحيفة في تقريرها إلى تصريحات فريدريش ميرتس، الزعيم البارز لتحالف الاتحاد الديمقراطي المسيحي، والذي يُعد مرشحًا محتملاً لمنصب المستشار الألماني بعد فوز تحالفه في الانتخابات التشريعية الأخيرة. في مقابلة أجرتها معه صحيفة “فرانكفورتر ألغيماينه تسايتونغ” الأسبوعية، أشار ميرتس إلى أنه لا يستبعد فكرة امتلاك ألمانيا ترسانة نووية مستقلة، داعيًا إلى فتح حوار حول توسيع نطاق الردع النووي الفرنسي والبريطاني ليشمل عموم القارة الأوروبية.
ورأت “وول ستريت جورنال” أن هذه التصريحات تمثل خرقًا لتابو تاريخي طويل الأمد، مما يكشف عن حالة من عدم الاستقرار في الأسس الأمنية لألمانيا وأوروبا بشكل عام. يأتي ذلك في وقت لا يزال فيه ميرتس منخرطًا في مفاوضات لتشكيل الحكومة، دون أن يتم انتخابه رسميًا مستشارًا بعد. أشارت الصحيفة إلى أن هذه الدعوة للبحث عن بديل للردع النووي الأمريكي تعد سابقة لم يشهدها زعيم ألماني منذ انتهاء الحرب الباردة.
وأوضح التقرير أن القوات الجوية الألمانية مستعدة حاليًا لنشر أسلحة نووية تكتيكية أمريكية مخزنة في قاعدة بوشل الجوية غرب ألمانيا، في حال صدور تعليمات بذلك من الرئيس ترامب. مع أن الولايات المتحدة لم تبدِ نية لسحب قواتها من أوروبا، فإن سعي ترامب للتوصل إلى تفاهم مع بوتين أثار مخاوف لدى بعض المحللين من أن يؤدي ذلك إلى تآكل ثقة الأوروبيين في الردع الأمريكي بشكل قد يكون من الصعب ترميمه لاحقًا.
وأكدت الصحيفة أن إحساس أوروبا بتراجع التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها يظهر بوضوح أكبر في ألمانيا، التي تستضيف ثاني أكبر تواجد عسكري أمريكي خارجي. نقلت عن كريستيان مولينغ، مدير برنامج مستقبل أوروبا في مؤسسة برتلسمان للأبحاث، أن ألمانيا تواجه أربعة خيارات لمعالجة الفجوة الأمنية: استمرار الاعتماد على الردع النووي الأمريكي، أو تحمل الأوروبيين مسؤوليته بأنفسهم، أو تبني نموذج هجين يجمع بين الاثنين، أو اللجوء إلى تعزيز القوات التقليدية غير النووية. مع ذلك، شدد مولينغ على أن كل خيار يحمل مخاطره الخاصة.
تعزيز القدرات العسكرية التقليدية والنووية
في سياق متصل، كشف ميرتس وشركاؤه في التحالف الحزبي هذا الأسبوع عن خطط لاستثناء الإنفاق العسكري من القواعد المالية الصارمة، مما يتيح لألمانيا إلغاء القيود على ميزانيتها العسكرية وتسريع عملية إعادة التسلح التقليدي.
وعلى الصعيد النووي، أشار باحثون وسياسيون إلى أن السبيل الأسرع لألمانيا لتأسيس ردع نووي قد يكون من خلال تكرار نموذج تعاونها مع الولايات المتحدة، عبر نشر قاذفات نووية فرنسية على أراضيها لحمايتها، أو تجهيز طائرات ألمانية بأسلحة نووية فرنسية تحت سيطرة باريس. في هذا الإطار، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاب متلفز هذا الأسبوع عن استعداده لفتح “نقاش استراتيجي” حول توسيع الردع النووي الفرنسي ليشمل الحلفاء الأوروبيين، وهو عرض سبق أن قدمه لألمانيا دون أن تلقى استجابة منها آنذاك.
رغم أن اقتراح ماكرون بتوفير “مظلة نووية” أوروبية أثار ردود فعل سلبية وتحذيرات من روسيا، فإن “وول ستريت جورنال” ترى أن تعاون ألمانيا مع فرنسا وبريطانيا قد يجعلها عرضة لتقلبات السياسة في باريس ولندن، على غرار تبعيتها الحالية لقرارات ترامب.
التزامات ألمانيا الدولية
يُذكر أن ألمانيا تعد إحدى الدول الموقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، التي تمنعها من تطوير أسلحة نووية أو تلقي مساعدة من دول أخرى موقعة لتحقيق ذلك. كما تخلت عن السلاح النووي بموجب المعاهدة التي مهدت لإعادة توحيدها. أكدت الصحيفة أنه في حال اختارت برلين السعي لامتلاك ترسانة نووية، فستضطر للقيام بذلك سرًا، ليس فقط لانتهاكها التزاماتها الدولية، بل لأن هذا المسعى قد يجعلها هدفًا محتملاً لخصومها.
ختامًا، يبرز تقرير “وول ستريت جورنال” التحولات العميقة في المشهد الأمني الأوروبي، حيث تدفع العلاقات المتغيرة بين القوى العظمى ألمانيا لإعادة تقييم خياراتها الاستراتيجية في ظل حالة من عدم اليقين المتزايد.