ابتسام التريسي من أبرز الأسماء الحاضرة في الرواية السورية، وقد تحوّل مشروع الكاتبة -التي بدأت بنشر أعمالها منذ أكثر من عقدين- إلى تأريخ للحدث السوري من زوايا مختلفة. ومع أنه تأريخ للمجتمع والحياة -بل للجماليات المنسية- أيضًا، فقد جرى تجاهلها أحيانًا، سواءً من القارئ الهارب من سردية الحرب التي يعيشها، أو الجوائز الأدبية.
في روايتها “سلَّم إلى السماء” مثلًا، نجد التفاصيل الدقيقة للصحافة الاستقصائية، وذلك عند الحديث عن حيوات الشخصيات في رحلات هروبهم من الموت، سواء على الحدود السورية التركية، أو شواطئ اليونان، أو الغابات الأوروبية، أو الموت البطيء في المنفى، أو الموت السريع حين وقوع المجازر. فقد كان للحرب تأثير لا بد منه، رغم أن بطلة الرواية وراويتها رسامة تعيش في السعودية، ولها همومها ومشاغلها الخاصة القاصمة، فبين الطفولة والأحلام والتعرف على جماليات الخشب والأزهار والروائح، ووقوعها في الحب ومقتل أختها وزواجها، ثم لوحاتها التي تتغير طبيعتها كل فترة حسب تغير ظروفها وآمالها وآلامها.
في “سلَّم إلى السماء” يمضي السرد في أزمنة متعددة، في انتقالات مستمرة لا تهدأ. فبعد أن نتوقف مع هيفين التي تنتظر عبور الحدود السورية التركية عائدة من أوروبا، تنقلنا الراوية بين طفولتها وحبها لبدر، وزواجها من آخر وسفرها إلى السعودية، ورحلة هروبها إلى أوروبا بعد تواصلها مع بدر، وحياتها في ألمانيا ورحلتها القصيرة إلى إسبانيا، واللحظة الراهنة القصيرة التي تفصلها عن العودة إلى الوطن.
الزمن كله يتجمع بلحظة واحدة: بدر حبيب الطفولة على اسم بدر ابن أم بدر التي تلتقي بها على الحدود، ولا تغيب الحرب بعد أن تسرد لها أم بدر المجازر التي رأتها، وكذلك يأتي تعرض هيفين لمحاولة اغتصاب على الحدود ليذكرها بحياتها مع زوجها في جدة التي كانت بالنسبة لها سجنًا لسنوات طويلة مع التعذيب النفسي والاحتقار المتواصل، أي اغتصابًا مستمرًا. لذا، لا بد من اكتمال الدائرة بالعودة التي لا تكتمل إلا بمعرفة قاتل أختها، ومعرفة ذاتها بعد كل هذا.
ابتسام تريسي روائية سورية ولدت في مدينة أريحا في إدلب عام 1959. تخرجت من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة حلب 1986. من أعمالها الروائية: جبل السماق (جزأين) – ذاكرة الرماد – عين الشمس – مدن اليمام – لمار – لعنة الكاديوم – بنات لحلوحة.
مؤخرًا عندما بدأت بتصفح أعمال الكاتبة، أردت كتابًا يخبرني: من هي ابتسام تريسي؟ بعيدًا عن المقالات التي تهتم أكثر بمواضيع رواياتها. أردت معرفة: ماذا قرأت؟ وكيف عاشت في طفولتها؟ وما الهموم التي شغلتها؟ ولماذا بدأت الكتابة؟ وكيف تعمل على الرواية؟ وكيف حصلت على كل معلومة؟ وهذا الكتاب إضافة إلى قيمته الأدبية، سيكون مرشدًا لقراءة أعمالها، وقد تكشف لنا بعض الألغاز، أو تخبرنا عن شيء لم ننتبه له. لكن هل سنرى هذا الكتاب يومًا ما، ونرى فيه تفاعلها الأول مع الأشياء بعيدًا عن الأقنعة (شخصيات رواياتها)، أم أن ذلك ليس بالأمر اليسير بعد أن تحوَّل كل حديث في السنوات الأخيرة إلى قصة مأساة.