عضة من أيام زمان … لـ : علي السوداني

عضة من أيام زمان ...

[ult_ihover thumb_height_width=”180″][ult_ihover_item title=”علي السوداني” thumb_img=”id^59095|url^http://ebd3.net/wp-content/uploads/2017/12/علي-السوداني-.jpg|caption^null|alt^null|title^علي السوداني-|description^null” hover_effect=”effect19″ title_font_color=”#2cd3b4″ desc_font_color=”#2cd3b4″ block_border_size=”1″ title_responsive_font_size=”desktop:22px;” title_responsive_line_height=”desktop:28px;” desc_responsive_font_size=”desktop:12px;” desc_responsive_line_height=”desktop:18px;”]كاتب وإعلامي عراقي[/ult_ihover_item][/ult_ihover]
ما تبقّى من الزقاق سيكون من حصة فندق الفارابي ودار كبيرة مرة صارت جمعية استهلاكية ومرة أضحت مركزاً ثقافياً فرنسياً كما تشير خرابيط وبرابيط مخيّلتي الآن.

وهذه واحدة أُخرى من خرزات مسبحة الحنين الذي يضرب ليالينا الباردة. حرثٌ يتكئ على ذاكرةٍ كأنها أوّل البارحة. زقاقٌ بغداديٌّ طولهُ رواية، ورأسه اليمين سينما بابل خزنة ذكرياتي الطيبة، وشماله بيت عتيقٌ استوطنته شركة تأمين حياة السيارات.

في هذا البيت حارسان يتناوبان صارا من علامات الليل والنهار، أحدهما هو أحمد الكردي الذي بدا قوياً ثابتاً أول أيامه، ثم تلفَ وتضعضعَ وانمسحَ وجهُهُ بصفرةٍ مستلّةٍ من لون الدورة الشهرية، وصار جلّ حديثهِ عن السليمانية وكبابها ولبَنها وجبلها، وامرأة شلعتْ قلبهُ بلذيذ الصدِّ. أمّا الثاني فهو حجّي محمد الذي كرّر عليَّ قصة ابنهِ الشيوعيّ الشارد صوب الكويت، ألف مرة ومرة.

سينما بابل كانت تأكلُ من طول الزقاق نصفهُ، وتنتهي بشبّاك تذاكر التسعين فلسا ومكائن أُسطه باقر التي تبرّدُ زبائن السينما صيفاً وتغطّيهم شتاءً. بباب باقر تنزرعُ عربانة شواء عظيمة صاحبها الطيّب اسمهُ الدالّ جبار أبو التكّة وأنجاله، على الرغم من أنّ مؤسسته الاستطعامية تلك كانت تشنّفُ مناخر الناس بعطر الكباب والمعلاق والحَلَولَوْ وبيض الغنم الذي ورّطنا بسرّ أنّ زوجة الخروف قد تبيّض أحياناً.

سنواتها المتأخرات كنّا نتناوب على رعاية عربة الكرزات بباب السينما أنا وأخي الغضّ جاسم. عشاؤنا الفرديّ من جبار كان يخضع لشريعة تبادل المنفعة وربما المقايضة، لكنني ما زلتُ أذكرُ ذلك الطقس الموجع الذي يسوّر تلك الوجبة العزيزة. شيش واحد من المعلاق المفضّل بسبب شائعة الدم، يضيع ببطن صمّونة ضخمة، والحلّ المتاح سيكون بملء صحراء الرغيف بمواد مجانية من مثل الطماطم والبصل والطرشي والكرّاث والكرفس والريحان والرشّاد، وسيكون على علّوكي الذكيّ أن يكون عادلاً مع كلِّ عضّةٍ يتركها على جسد الصمونة، حيث الحرص العظيم على إبقاء قطعة لحمٍ صغيرةٍ تحتفل على آخر أنفاس العظّة الأخيرة.

ما تبقّى من الزقاق سيكون من حصة فندق الفارابي ودار كبيرة مرة صارت جمعية استهلاكية ومرة أضحت مركزاً ثقافياً فرنسياً كما تشير خرابيط وبرابيط مخيّلتي الآن. لدينا بذيل الزقاق من صوب البتّاويين وسوق شبّوط، دكان عليّ صاحب عربانة الحَبّ المشهورة بباب سينما النصر وثلاثة بيوت فقط، أهلها يكدحون بحانة عشتار الرومانسية على يمين بابل، وحانة اسطيفان التي تحتاج إلى قوة دماغية هائلة كي تكتشف أنها منحوتة من جسم سينما النصر.

ثمة تفصيلات أخرى لذيذة وغير مملّة من الضحك والبرد والأسى والدهشات الأُوَل، لكننا ارتأينا تأجيلَ سردها قليلاً، إذ أنّ مستطيل حرثتنا الجرائديّ، قد يغصُّ إذا ما زادت سلة الكلمات عن أربعمئة كلمة وكلمة.

عن : صحيفة العرب اللندنية

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية