مي ..(قصة قصيرة ) لـ: حسين جرود
وضعتُ في مسدسي ثلاث طلقات، وجلستُ أنتظر. لن أسمح لها أن تحبَّني.
أحياناً يؤدي تزامنُ بعض الأمور إلى افتعال علاقات سببيَّة لا جدوى منها، كربط تغير مصدر الماء بانتشار مرض معين، ومع أن كل متّهم بريء حتى تثبت إدانته، فقد كنتُ يومَها غرَّاً أمام محامٍ شرس.
كنت أنتظرُ بدء المحاضرة، عندما وصلتني رسالة على الموبايل. لا أعرف مصدرها ولم أفهم ما جاء فيها. بدأت المحاضرة لتتوقف كل خمس دقائق بسبب الأصوات القادمة من الخارج، التي ما لبثت أن ترافقت بإطلاق نار متقطع. بعد فترة، ظنّنا أن الأمور مستقرة وربما فكّر المدرّس بإتمام ما يكتبه، عندما اقتحم القاعة عشرة وحوش.
لا أعرف لماذا اختاروا الشخص الجالس بجانبي ونزلوا به ضرباً. إنه كان هنا قبل أن يبدأ كل شيء. انسللت بخفة وجلست في مقعد آخر. لم أتدخل كما فعل اثنان أو ثلاثة لينالوا نصيبهم. لكنني لم أستطع أن أخفي ابتسامي التي تسببت بلكمة على أسناني.
إنه منهم، وقد اعتذروا منه في اليوم التالي، والرسالة من مي التي قضيت شهوراً طويلة بالهروب معها.
مي على الهاتف تشبه الممثلة كاريس بشار جميلة ومثقفة، لكن الشيء الذي لم أستوعبه: لماذا تحبني؟ تحدثنا كل يوم لساعات عن طفولتنا وأحلامنا المظاهرات والقمع. كانت مراسِلتي التي لم يغب عني شيء بحضورها، إنها تعرفني جيداً وتثق بي، أنا الذي لم أعرف شيئاً عنها. ربما يكون اسمها مزوَّراً، نعم إنها تدرس الحقوق وعمرها 23 عاماً أنا أعرف هذا فحسب.
كنت مشغولاً في عدد من المواضيع، أهمها: دوري أبطال أوروبا، ومي تطلب أن تراني، كما أنني لا أحب الذهاب إلى الجامعة.
لا أعرف لماذا كنت أتخيلها على أرض الواقع سمينة وقبيحة، ولا تشبه مي التي على الهاتف، لا يزعجني أنها ريفية فأنا أكره المدن، لكن أمر لقائها يكبت على أنفاسي.
مع هذا، استمرّ حديثنا الجميل، بل كان أجمل ما يحدث في تلك الأيام. لدي مراسل يزوِّدني بأخبار الجامعة، وآخرون يجلبون المحاضرات.
الأمور تتغير بسرعة، لا يهمني أن بعض أصدقائي ترك الجامعة، ولا جوّ اللامبالاة المحيط بي. بيتنا على حاله، ولا يأتي دوري في الجلي إلا كل عدة أيام، كنا أربعة نلعب الورق، باستثناء شريكي في الغرفة المدمن على الانترنت. رغم ارتفاع أسعار السجائر، كانت الحياة جيدة.
ما حدث، كان أبسط بكثير. كنت أحضر مباراة بين تشيلسي وبرشلونة عندما أحزر اللاعب الإنكليزي لامبارد هدفاً ثانياً إنه اللاعب الذي أسدد به دائماً عندما ألعب لعبة فيفا 2008. كانت فرحتي كبيرة كأنني من سدد الهدف كما أن تشيلسي لا تفوز على برشلونة كل يوم. لكن يومها، في السينما المكتظة، لم نجرؤ على إظهار فرحتنا، بل بدأنا نسبّ ميسي الذي أضاع فرصاً كثيرة، بل خرجنا ونحن نسبّ ميسي ونتأسف على خسارة برشلونة لأننا أردنا أن نخرج بسلام.
انتهت قصتي هنا، عليَّ أن أذهب على الأقل حالياً، سأترك هذا الجوّ المكهرب، كما قلت لكم، أنا لا أحب المدن، إن كان يمكن أن نسمي هذه مدينة.
هنالك عدة أمور معلَّقة: الامتحانات.. البيت.. أوه نعم كيف نسيت هنالك مي أيضاً.
رغم كل ما يقال عن قواعد السلطة، وعن ارتباط السلطة بالمعرفة أو بالإمكانيات… لكنها تحبني؟!، وهذا يعني أنني من أمسك بالسلطة، ومن يجب أن يتصرف.
في اليوم الأول، أخبرتها أن عمري 21 عاماً. في اليوم الثاني، حدثتها عن جلسات طبيب الأسنان. في اليوم الثالث، كانت قد تبخّرت قبل أن أضطر لأكذب عليها. هل أحست بما كنت أنوي أن أقوله؟
بينما أكتب هذا اليوم، أحاول ولا أستطيع أن أتذكر من ربح ذلك الدوري.