دقائق للذكرى مع ميشيل كيلو …لـ: سعد فنصة

سعد فنصة
كاتب ومؤرخ ومصور سوري

كان الموعد مع المخرج السينمائي الذي رحل العام الماض، الصديق ريمون بطرس، لمناقشة نص كتبته خصيصا لفيلمه الوثائقي عن حاضرة البادية السورية .. تدمر .. والذي كان جادا دون جدوى، في البحث عن جهة رسمية تمول إنتاجه ، في ذلك العام 2010/2009.. وإذ ينضم إلينا المفكر السوري ميشيل كيلو برفقة المدير العام السابق لهيئة الاذاعة والتلفزيون، الذي رحل قبل يومين، فؤاد بلاط من الطاولة المجاورة لمكان جلوسنا في قهوة الروضة بدمشق .. ولم يمض على خروج السيد كيلو من المعتقل، الا ساعات قلائل.

كانت تلك المصادفة، أول لقاء تم بيننا بحضور شخصيات أدبية وفكرية أخرى ، لم أعد أذكر من انضم الينا ومن غادر.
رحبتُ به وبخروجه من المعتقل وهو بأتم صحة .. وجلست صامتا .. دون أن أتحدث عما مررت به من تجارب وشهادات، عن مسألة اعتقاله .. أرويها في هذه العجالة لأول مرة، دون أن يكون حتى هذه اللحظة على علم بها.
ومختصر القصة بعد اعتقال الكاتب كيلو، والذي لا أعرفه من قبل، سوى أنه من الذين تخرجوا من عباءة كاردينال الفلسفة الراحل انطون مقدسي، وبعض الأصدقاء الذين نشترك و وإياهم بالهم العام، ومنها قضية الحريات الأساسية في سورية، وفي مقدمتها حرية الرأي، و تربطني وإياهم صداقات عميقة وتاريخية.
كان من بينهم الراحل عبد الحميد الحسن أستاذ اللغة الإنكليزية، وحجة الترجمة في كلية الفلسفة بدمشق أحد أقرب هذه الجمهرة، وصدف أن تسلم أحد أصدقائه الضباط الفرع الداخلي للأمن في سورية (اللواء فؤاد خير بيك ) ..ذات العام الذي أُعتقل فيه ميشيل كيلو.
وكان الأستاذ الحسن يحدثني عن صداقته باللواء مُذ كان في بداية تدرجه العسكري، قبل ان يصبح لواءً وحاملا لشهادة الدكتوراه بالفلسفة فيما بعد. فرجوت ببراءة، الصديق عبد الحميد الحسن أن يسعى عند صديقه اللواء، وبأن لايوفر جهدا لمحاولة إطلاق سراح كيلو أحد أبرز أحرار سورية من حملة القلم، شأنه في ذلك شأن الكثر من الكتاب الحقيقين، أصحاب المواقف الذين لم ينجروا إلى ساحات التهريج والنفاق، التي مارسها شرائح من المثقفين السوريين، في الإعلام المقزز، بأكثر مما هو مطلوب منهم أحياناً ..
المهم في شهادتي .. أن الجواب كان من الدكتور اللواء جلياً .. ليس بإمكان أحد في سورية التدخل في قضية الإفراج عن ميشيل كيلو غير .. بشار الأسد .. وهكذا جاءني الرد.
ولم أتباهَ بالطبع في حينه على مسامع الحاضرين برواية قصة هذا المسعى، ليس خشية بأن يكون هناك من يصغي إلينا في هذا المقهى المراقب بحدة من عناصر الأمن، بل لأن السيد ميشيل كان يدرك وهو معتقل، أن كثرا كانوا مثلي، يسعون إلى إطلاق سراحه، وسراح الأبرياء لدى نظام القهر والموت والجريمة المنظمة، قبل الاحتلالين الذي جاء بهما كي يبقى الأسد خيال مآتة على وطن الخراب .. !!


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية