خسوفات ثقافية … لـ : سعد فنصة

[ult_ihover thumb_height_width=”180″][ult_ihover_item title=”سعد فنصة” thumb_img=”id^60179|url^http://ebd3.net/wp-content/uploads/2018/01/سعد-فنصة-.jpg|caption^null|alt^null|title^سعد فنصة -|description^null” hover_effect=”effect19″ title_font_color=”#f03f29″ desc_font_color=”#ffffff” block_border_size=”1″ title_responsive_font_size=”desktop:22px;” title_responsive_line_height=”desktop:28px;” desc_responsive_font_size=”desktop:12px;” desc_responsive_line_height=”desktop:18px;”]كاتب و مصور سوري[/ult_ihover_item][/ult_ihover]
في مطلع التسعينات ومع انهيار الإتحاد السوفييتي ، وجد اليسار العربي نفسه كاليتيم على سفرة اللئيم على حد تعبيرالكولونيل “القذافي” عندما التقى الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الراحل “يوسف الفيصل “، ونقلها لي هذا الأخير، شخصيا عنه ، حتى المنضوون تحت ألويةأحزاب مختلفة ومتخلفة عقليا في القطار السياسي المتوقف منذ الأربعينات من القرن المنصرم .
بالمحطة ذاتها صاحبة البيارق والشعارات المتقاربة ، لم تنجُ من المفرمة السياسية والاعلامية التي أحاقت بهم ، واختفت رموز ثقافية لتعلو أخرى .. (ربما سوف أذكرها في مناسبات لاحقة).

أما دمشق فلم تكن بعيدة عن هذه المتغيرات ، باختلاف بسيط أن الشعارات بقيت صامدة فيها حتى وقت طويل ، ليس لأنها أثبتت جدواها بل لأن المستفيدين منها أثبتوا جدواهم في الإثراء الفاحش  منها ، لذلك ظلوا متمسكين بها حتى آخر “مرسيدس” تم إنتاجها في بلد المصدر .
في خضم هذه الخسوفات الثقافية ،كانت زيارة الأديبة الناقدة “خالدة سعيد ” استاذة الأدب في الجامعة الأمريكية ببيروت ، باحثة عني من خلال الأديب وليد اخلاصي كما أعلمتني هي بذلك حين هاتفتني تطلب معينا لها بالبحث عن الأدباء الذين أعفاهم البعث من الحياة الأدبية ،واغفلتهم الشعارات من الحضور في الذاكرة .
كان لقاؤنا الأول في منزل الفنان المسرحي “أسعد فضة” ، وهو عديل الشاعر “محمد الماغوط” من شقيقة زوجته النجمة المسرحية “مها الصالح” وكذلك كانت شقيقتهم الوسطى خالدة سعيد ، زوجة الشاعر “علي احمد سعيد إسبر” ( من طول الاسم يمكن تَفهُم اختياره للقبه الملازم له والشهير  بـ : “أدونيس” ) .
كانت الزيارة  في مضمونها تقفي أثر الأديب الراحل “أورخان ميسر” ، من ذاكرة معارفه .. وأصدقائه ، ومن كتاباته وبقايا أشعاره السوريالية ،إذ كان ملحق النهار الثقافي قد خصص لكتاباتها الصفحة الأخيرة التي كانت تلقى رواجا واسعا بين القراء .
واذ كنت مشيدا بكتاباتها، أكثر من إشادتي بكتابات زوجها الذي لايفقه السواد الأعظم من القراء والعامة  نصفَ كتاباته ، والنصف الآخر في غموض أشعاره ورمزيته الذاتية ،التي بلا شك جاءت ظاهرة فريدة في الأدب المعاصر …. اخترق العالمية بسببها لأنها كانت متناسبة مع الذهنية الاوربية النقدية للتراث الإسلامي وبتجريد يدركه العقل الغربي ويحتفي به.
كان “أدونيس” ناقما على “رياض الريس” و”الماغوط” على حد سواء لنشره حوارية جريئة يسخر فيها “الماغوط “من هرولة أدونيس باتجاه الجوائز والمكرمات ،  هذا ما أسرَّت إليّ في حينه عند اقتراحي لزيارة “الماغوط” .
انها مستاءة أيضا من زوج شقيقتها اذ ما كان لزاما عليه ، أن يقدم حديثا صحفيا وهو مخموراً ، والدليل أنه تراجع عن أهم السهام النقدية والاتهامات التي سخر بها من أقرانه الشعراء بمن فيهم “ادونيس”، و” نزار قباني” وغيرهم في رسالة إلى ناشر المجلة الشهيرة التي كانت الرقابة تمزق صفحاتها كان اسمها “الناقد” وأذكر أن “الريس” أورد الإشارة الى تراجع “الماغوط” عن اقواله ، في نص من نصوصه التي يستاء فيها من تقلب أمزجة الأدباء والشعراء الذين نشروا نتاجهم في كنف إصداراته ) .
ما أذكره أنني اتصلت بالأديب والمترجم “عبد الاله الملاح” ،الأخ غير الشقيق “لأورخان ميسر” ، وكانت فرصتي التاريخية بلقائه اذ ظلا صديقين عزيزين ، يلحان علي بالتعرف على هذه الحُجّة بالترجمة والقامة العالية في الحقل الثقافي.
على رأس الناصحين كان الباحث الصديق ” نهاد خياطة” أمد الله في عمره والراحل العزيز “عبد الحميد الحسن” ، وفي ضيافة “الملاح” حصل لقاء مع نجل المضيف، إذ كان مفاجأة لي وللأديبة “سعيد” ، بحديث لشاب صغير، حاد الذكاء، حاضر البديهة بقالب موثق ومتزن في حديثه طلاوة بسياق تاريخي يفوق سنين عمره بكثير، لا شطط فيه أو ادعاء ، أو ترويجا لخيال لا طائل منه كما أفعل أنا عادة بتوظيف القص التاريخي لإيصال هدف أو رسالة ما ، إذ قالت لي بعد خروجنا .. إنها لم تلتق بمن يُشابه هذا الشاب ، الذي غدا فيما بعد واحدا من ألمع الباحثين بمؤلفاته وترجماته وذاكرته التاريخية النادرة والمدققة ، اذ كان أسمه “عمرو الملاح” .. وبالرغم من تجاهله الشديد لآرائي وانتقاده الحاد لنصوصي ، هذا إن فعل ، إلا انني لم أكن يوما لأتجاوز قيمته العلمية بالادعاء عليه وأصفه في زحام المدائح المجانية بما ليس فيه، وانا أبعدُ الناس عن الإطناب لأحد .

( كتبت ونشرت من دمشق )

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية