بعد انهيار نظام بشار الفار ، حصلت صحيفة “ليبراسيون” على أكثر من 8000 وثيقة من 14 سجنًا ومقرًا لأجهزة المخابرات السورية. تسلط هذه السجلات الضوء على نظام بيروقراطي قمعي استمر لعقود، موثقًا تفاصيل الانتهاكات التي ارتكبها النظام البائد بحق مواطنيه.

في مدينة السويداء، وبعد أيام من سقوط النظام في ديسمبر، شارك ممدوح في دوريات مسلحة لحماية مركز شرطة سابق. يقول: “كلفنا بحراسة المباني الحكومية لمنع تدمير الوثائق”. وفي المنطقة، راقبت فصائل درزية، مثل حركة رجال الكرامة، بقايا السلطة لضمان الحفاظ على هذه الأدلة.
شبكة تجسس شاملة
على مدى خمسة عقود، استخدم النظام البائد أربع مؤسسات أمنية رئيسية -المخابرات العامة، مخابرات القوات الجوية، المخابرات العسكرية، والأمن السياسي- لمراقبة السكان. كان هذا النظام يرصد الجميع، حابسًا آلاف المعارضين، وكشفت وثائقه عن مدى انتشار أدوات القمع بعد فرار عائلة أسد .
بيروقراطية الجريمة
ترك النظام آلاف السجلات، من شهادات وفاة وأوامر نقل إلى ملفات تحقيق، تشكل دليلاً على “بيروقراطية الموت”. وثّقت هذه الأوراق مصير عشرات الآلاف من المفقودين، معززة الأدلة على الجرائم الممنهجة التي ارتكبت على مدى عقود.
أدلة محفوظة في المخابرات العسكرية
في مقر المخابرات العسكرية، تتوزع هواتف قديمة مكسورة في غرف التنصت، بينما تظهر آثار حرق جزئي في الأرشيف. يقول ممدوح، وهو يشير إلى ملفات مبعثرة: “لم ينجحوا في إحراق كل شيء”، مشددًا على وجود تسجيلات هاتفية ووثائق سرية لم تُدمر.
بينما كان ممدوح يتفحص وثيقة تعود لـ18 عامًا، علق: “شيخ يشتكي لرئيس المخابرات من تدني الرشاوى ويطالب بسيارة”. كما كشفت تقارير أخرى عن مراقبة خطب المساجد، وإيفاد عملاء للتدريب في العراق، وتوجيهات لملاحقة مستخدمي الإنترنت الداعين لاحتجاجات سلمية.
تحقيقات غريبة وقوائم المتعاونين
تضمنت الملفات تقارير عن “أنشطة مشبوهة”، مثل تحقيق ضد شخص لممارسته اليوغا. واستخرج ممدوح دفترًا يحوي قائمة طويلة بأسماء مدنيين تعاونوا مع النظام، موضحًا: “هذا جارنا، كان يمر من الحواجز دون تفتيش”.

شبكة مخبرين واسعة
ضمت الأجهزة الأمنية حوالي 65 ألف عميل، لكن عدد المخبرين المدنيين وصل إلى مئات الآلاف، بنسبة مخبر لكل 158 مواطنًا، وهي من أعلى المعدلات عالميًا، مما يعكس مدى انتشار التجسس داخل المجتمع.
آثار التعذيب في سجن السويداء
في سجن السويداء المركزي، تنتشر آلاف الأوراق في الفناء، مع بقاء معظم الوثائق سليمة رغم حرق مبنى. بالقرب من الزنازين، تظهر أدوات تعذيب كإطار وقضيب حديدي يُعرف بـ”الأخضر”، إلى جانب مكتب لا يزال يحمل راية حزب البعث.
في المكتب ذاته، توجد سجلات ضخمة تُدرج أسماء “الإرهابيين”، مع ملفات شخصية دقيقة تصف السجناء، من لون حواجبهم إلى سمعتهم في أحيائهم وعلاقاتهم داخل السجن، مما يكشف عن مستوى التفصيل في المراقبة.
إقرارات كاذبة تحت الضغط
بجوار أدوات التعذيب، وثائق تُظهر إجبار السجناء على التوقيع على أقوال زائفة، مثل ادعاء محمد إبراهيم أنه أصيب بصعقة كهربائية ذاتيًا، مؤكدًا عدم رغبته في مقاضاة أحد، في محاولة لتبرئة الجلادين.
شهادات التعذيب في داريا
في داريا، يروي شاب اعتقاله في يناير 2012 بعد رفضه إهانة جندي. نُقل إلى وحدة استخبارات المزة، حيث عُذب لمدة عام لتلفيق تهمة ضده، مما يبرز تصميم النظام البيروقراطي لكسر المعتقلين نفسيًا وجسديًا دون ترك أثر واضح.
تجسس حتى على الموالين
كشفت تسجيلات تنصت عن مراقبة وكلاء النظام أنفسهم، مثل تحقيق مع جنرال بسبب محادثة عام 2011 رفض فيها إرسال الجيش لقمع متظاهرين، مستخدمة كلماته ضده لاحقًا كدليل على عدم ولائه الكامل.
ضغوط على الجنود للتلفيق
تُظهر تسجيلات أخرى أوامر للجنود بكتابة تقارير ملفقة عن أفراد مجهولين، مثل وصفهم بـ”مثيري الفوضى”، مما يعرضهم لتهم الخيانة في حال رفضهم الامتثال لتلك التعليمات.
ملفات سرية وتحقيقات مستمرة
تُنسخ المحادثات المشبوهة بعناية، وتُبرز الجمل الدالة على المعارضة، ثم تُحول إلى فروع الاستخبارات في ملفات “سرية للغاية”، مرفقة بأوامر الفحص والمعاقبة، مما يكشف عن آلية النظام البائد في استهداف الجميع دون استثناء.