مرايا نادية.. ومناديلها: مئة قصيدة..وقصيدة …قراءة: حسين جرود

حسين جرود
شاعر سوري

توجد كتب نتصفحها كل عدة أشهر، أو عدة سنوات، نقرأ جزءًا منها ونمضي. لكن، نعرف أننا سنعود يومًا.

كثيرًا ما نحلم بكتابة عمل لا ينتهي القارئ منه ويتركه، أو بالأحرى يستهلكه، ويمضي. توجد كتب كثيرة تحقق هذا، وتجبرنا على إعادة قراءتها مرتين، أو ثلاثة. وغيرها -مثل ألف ليلة وليلة (الكتاب العربي الأكثر شهرة) وديوان الشعر العربي لأدونيس الذي يضم مختارات من قصائد كتبها العرب خلال 2000 عام- تجمع خلاصة خبرات اكتسبت على مدار قرون طويلة.

أما كتاب إبراهيم المصري، فهو كتاب حياته اليومية، التي لا يستطيع هو (أو القارئ) سبر أغوارها أو يبلغ حدودها اللامتناهية، فالحياة هي الكتاب الأول وحروفه خُطت بماء أو سطرًا على الرملِ. 

يتحدث إبراهيم المصري عن أمر خارق للعادة؛ رجل يحب زوجته، ويكتب لها باستمرار. نصوصه واسعة سعة الحياة، تحوي غصات البعد، وتفاصيل الأعمال المنزلية، وتفرق الأسرة في مدن تمتد من مصر إلى الصين،  ولحظات الود والملل واللهفة والشوق. 

نادية مثل جميع النساء، طفلة تحب الشيبس، وزوجة لا تقوم بأعمالها المنزلية على أكمل وجه، وحبيبة لا تكترث بالكلام العاطفي، وأم تقسو على أبنائها وتمنع زوجها من ذلك، وابنة تهاتف والديها لتجد أنهما متعبان، وأخت يظلمها أخوتها وتصر على الانتقام ولا تنتقم، وكائن افتراضي يهتم بالسياسة مثل الجميع، وامرأة تترك أحيانًا نفسها للعشوائية وأحيانًا تبالغ في التأنق، وحزينة لا يمكن سبر أغوارها، وسعيدة تمشي كأنها تطير، ومسافرة تقول له خذني معك، وتعيش الحنين إلى بلدها، ونائمة كأنها تخلط بين المغرب والصباح، كل هذا يرد في قصيدة واحدة، التي يختمها بقوله:

نادية.. إنسانة

تود لو تترك كل شيء وراءها 

وتمضي إلى مجهولٍ

تدركه وحدها بروحها المقيدة

إلى قصور ذاتي

لا ينجو منه أي إنسان

صدر الكتاب عام 2019 عن دار مسعى للنشر والتوزيع، ويضم 115 قصيدة كُتبت بين عامَي 1992 و2013. إنه “ضوء جانبي لامرأةٍ تشربُ الظلَّ”، “حيث في البحر ماء وفي الغيوم”، “هادئة في الريح الخفيفة لأيامنا”، “بما أنت عليه من طفلةٍ تضمّ ركبتيها إلى صدرها وتجلس متحفِّزة”. “لا حليب هنا ولا كلام”، “لا نعاسَ سوى غفوةٍ تُطفئ الليل”. “أنت في الثلاثين في الغيمة الهشة تغرسين أجراسًا أو تطاردين التجاعيد”. “تأخذين في العشاء حصة الوقوف لنا”، “وتذهبين من دوالي الساقين، إلى… رجلي بتوجعني يا هيما”.

نقرأ تعلق الشاعر بزوجته نادية حد رؤيتها أليس في بلاد العجائب، ووصفه لأيامهما وكيف تسير منذ التقيا، وكيف يأتي الضجر والملل والنفور إلى الحياة “كون الزواج ضالة المتعبين وكونه بقاء الريح هادئة والشوق أيضًا”، و”ما من إنسان لا يبغض أحيانًا حتى نفسه”، و”لا جدوى سوى أن نقف متجاورين أمام شباك مفتوح ونصرخ معًا… ضجر ضجر ضجر”، “أكان هذا ما وعد به آدم حواءه، أو وعدت به حواء آدمها، حين هبطا إلى مخيلةٍ، قالا أنها الأرضُ، ثم ضاعا عند أول منعطف”.

من الصعب الإحاطة بمواضيع هذه القصائد في مقال قصير، لذا أترك لكن حرية تحديد موعدكم معها، أو عدمه، وكما يقول كاتبها:

ليس اكتشافًا 

أن الحياة صبي مُقعَد

على كرسي متحرك

أدفعه أحيانًا

وتدفعينه أحيانًا

وندفعه معًا أحيانًا.


إبراهيم المصري

شاعر وصحافي من مواليد المنوفية عام 1957. عضو اتحاد كتاب مصر. صدر له: “لعبةُ المراكب الورقية”/ رواية، 1998، دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة – (الرواية الفائزة بالمركز الثالث في الدورة الأولى لجائزة الإبداع العربي – الشارقة)، “الزَّهْرَوَرْدِيَّة”/ شعر، 2007، “رصيف القتلى – مشاهدات صحافي عربي في العراق” 2007، المؤسسة العربية للدراسات والنشر – (الكتاب الفائز بجائزة ابن بطوطة، مشروع ارتياد الآفاق، فرع الرحلة الصحافية 2006)، “الديوان العراقي”/ شعر، 2008، المركز الثقافي العربي – السويسري، “مقتطفات البيرة”/ شعر، 2008، دار شمس، “الوعي والوجود”/ شعر، 2009، دار ميريت، و”الشعر كائن بلا.. عمل”/ شعر، 2009، دار بدايات.




يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية