مجزرة حي التضامن لعام 2013 و وجوب البدء بالمساءلة القانونية…لـ :هشام المسالمة

هشام المسالمة
محامي ناشط في مجال حقوق الإنسان

مضى 11 عاماً على المأساة السورية و باستمرار الموت السوري و الفرقة و التمزق و بارتهان غير مسبوق لقوى الأمر الواقع على امتداد الأرض لبعض الدول الشريكة بالنزاع و ترقى لأن تكون قوى محتلة ، و دون جدوى لبناء السلام و البدء الحقيقي و الجدي بالعملية السياسية وفق قرارات مجلس الأمن الدولي .

يوماً بعد يوم ، يتكشف حجم و هول الجرائم المرتكبة بحق المدنيين من أبناء الشعب السوري و بعض اللاجئيين الفلسطينيين المقيمين على الأراضي السورية . لم تقتصر أفعال نظام السلطة الشمولي الحاكم و كذلك كل قوى الأمر الواقع على الانتهاكات ، بل امتد ليرقى نحو الجرائم ضد الإنسانية و جرائم الحرب و في انتهاك صارخ للقانون الجنائي الدولي و القانون الدولي الإنساني و كافة الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان و التي تهدف إلى حماية و تحييد المدنيين في الصراعات المسلحة .

على امتداد أحد عشر عاماً تم ارتكاب آلاف الجرائم من قبل قوات نظام الأسد عن طريق أجهزته الأمنية و العسكرية و الميليشيات الموالية و بدعم إيراني و روسي ، كما ارتكبت التنظيمات الإرهابية و المتشددة و ما زالت ، الكثير من الجرائم التي ترقى لجرائم حرب و بدورها الفصائل و الميليشبات الموجودة بعدة مناطق كسلطات أمر واقع قد ارتكبت أيضاً عدداً لا بأس به من جرائم الحرب و الانتهاكات التي تستوجب المساءلة و على نفس السوية ، حيث باتت الساحة السورية مسرحاً للجريمة المنظمة ضد المدنيين في ضل تقصير واضح من المجتمع الدولي و الأسرة الدولية .

صمت مريب و تقصير واضح من المجتمع الدولي بالتأخر للبدء الجدي بالمحاسبة و الملاحقة و عدم الإفلات من العقاب ، إذ طفى على السطح مجدداً ، مشاعر الألم والغضب بعد التسريبات الجديدة من التحقيق الذي أجرته صحيفة الغارديان البريطانية حول جريمة الإبادة الجماعية في حي التضامن الدمشقي عام 2013 ، و الذي ارتكبته قوات النظام السوري و أجهرته الأمنية و التي يديها مغلولة و ملطخة بمئات الألوف من الضحايا السوريين الأبرياء .

صمت مريب و تقصير واضح من المجتمع الدولي

لا يبرر للأسرة الدولية تعطيل آلية ملاحقة هذه الجرائم بسبب استخدام موسكو لحق النقض ( الڤيتو ) لأن مبدأ الاتحاد لأجل السلام و قد سبق و استخدامه بمثل هذه الجرائم الخطرة على السلم و الأمن الدوليين في قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة و المؤرخ 3 تشرين الثاني/نوفمبر 1950 (القرار 377 (د – 5)) .

كما عودنا فريق السلطة الحاكم بدمشق على انكار الجرائم المرتكبة من قبله و من قبل حلفائه من الروس و الإيرانيين ، إلا أن هذا الانكار لا يكفي ، و كان من الأولى الموافقة على تشكيل لجنة تحقيق دولية حول الجرائم المرتكبة و التوقيع على اختصاص محكمة الجنايات الدولية وفق اتفاقية روما ، والبدء بالعمل القانوني و التحقيق المستقل لكشف الفاعلين و محاسبتهم و بشكل عادل ، إلا أن التهرب و المماطلة هو أحد المؤشرات الأكيدة عن خوف السلطة من المحاسبة و الملاحقة لأكبر مسؤوليها الأمنيين و العسكريين .

يوجد حالياً بين يدي المنظمات الدولية لحقوق الانسان الكثيرمن الأدلة والوثائق و القرائن و الشهود على ارتكاب النظام السوري و قواته المسلحة و الأمنية و كذلك الفصائل المنتشرة على الأرض السورية الكثير من جرائم الحرب و ضد الإنسانية و كذلك تحقيقات اللجنة المستقلة لمنظمة حظر استخدام الأسلحة الكيمائية و القرارات الصادرة عن بعض المحاكم الأوربية بتورط عناصر النظام السوري و أجهزته الأمنية و بعض الفصائل الإرهابية المتشددة لجرائم ضد الإنسانية و جرائم حرب ، الأمر الذي يلقىي على المجتمع الدولي مسؤولية التحرك العاجل و البدء بتحريك ملف المساءلة ، بتشكيل محكمة جنائية خاصة بسورية و تحت الفصل السابع و إلزام النظام السوري بتسليم المتهمين و الجناة و إحالتهم الى لجان التحقيق الدولية أو المختلطة بين سوريين و دوليين مستقلين.

إن إحلال السلام في سورية لن يؤسس دون التلازم مع المساءلة و العدالة للضحايا و ذويهم و لبناء السلام المستدام و إطلاق عملية سياسية حقيقية ، التزاماً بالقرارات الدولية ذات الصلة منذ عام 2012  ، و غير ذلك فان المجتمع الدولي شريك في هذا المأساة و يساعد قوى استبدادية أخرى و رجال سلطة ديكتاتوريين بارتكاب نفس الجرائم بدولهم ، للتمسك بالسلطة خارج إرادة شعوبهم لإيمانهم بأنهم لن يلقوا أي محاسبة أو عقاب . إن مبدأ العدالة لا يتجزأ و السلم و الأمن الدوليين لن يتوفرا دون وقف هذه الجرائم و تقييد تمادي مرتكبيها و تحجيمهم و الذي يشكلون تهديداً لكل العالم و ليس لدول الصراع ذاتها .

إن للشعوب حقها الكامل بالعيش في حرية و سلام ، و إن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي وافقت عليها دول العالم من خلال الاتفاقيات الدولية لبناء السلام المستدام و التنمية لكل شعوب الأرض و حقها في تقرير مصيرها ، من خلال الالتزام بكل اتفاقيات حقوق الإنسان منذ عام 1951  ليومنا هذا . هي الأساس للبدء بالمحاسبة و تجاوز كل معوقات الملاحقة لبناء السلام في سورية و إطلاق سراح كافة المعتقلين و لدى كل الأطراف ، و بيان مصير المفقودين و المختفيين قسرياً .


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية