ليبراسيون الفرنسية : بشار الأسد آخر الطغاة

يبدو بقاء بشار الأسد على رأس بلاده أمرا استثنائيا، نظرا للتطورات التي مرّ بها الصراع في سوريا والحالة التي هي عليها اليوم، فثلاثة أرباع البلاد خراب، ومدنها مدمرة وخاوية على عروشها، والقتلى بمئات الآلاف واللاجئون 6 ملايين خارج البلاد، والنازحون بعشرات الآلاف داخلها، ومع ذلك يستعد هذا المستبد الباقي الوحيد بعد ثورات 2011 للترشح لولاية رابعة بعد أشهر قليلة.

بهذه المقدمة، بدأت صحيفة ليبراسيون الفرنسية تقريرا بقلم هالة قضماني ونيكولا بريسل، قالا فيه إن هذا هو الثمن الذي كان النظام على استعداد لدفعه للبقاء في مكانه، منذ أن هتف أتباعه في مواجهة المحتجين عام 2011 “الأسد أو نحرق البلد“، وبعد 10 سنوات ها قد اجتمع الأسد وحرق البلد، فالأسد موجود والبلاد رماد، على حد قولهما .

وقال الكاتبان إن الدفاع عن الكرسي كان دائما هاجس رأس النظام السوري ومفتاح بقائه، معتمدا في ذلك على الدولة الأمنية التي ورثها عن والده الذي بناها بطريقة منهجية على مدى 40 سنة لحماية عائلة حاكمة متماسكة، فشقيقه الأصغر ماهر يقود قوات النخبة في الجيش، والعديد من أبناء عمومته يسيطرون على أجهزة الأمن، ورجل أعماله المقرّب رامي مخلوف الذي امتص الاقتصاد السوري، هو الذي يدير الحرب.

وهؤلاء جميعا -كما يقول الكاتبان- قد عقدوا العزم على الحفاظ على النظام وعدم الاستسلام للثورة الشعبية، فانخرطوا منذ البداية في حملة قمع لا هوادة فيها، ظلت تتصاعد وتيرتها وحدتها. فبعد إطلاق الذخيرة الحية على المتظاهرين السلميين الأوائل، قصفت المدفعية أحياء الثائرين، ثم في نهاية عام 2012، دمرت القوات الجوية مدنا بأكملها على رؤوس سكانها.

وفي عام 2013، وصل الأمر إلى استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، وانخرط الجيش في القمع ضد شعبه تحت قيادة الضباط “الموالين”، لأن العائلة الحاكمة حشدت الأقلية العلوية التي تنحدر منها أسرة الأسد، من خلال جعلها تعتقد أن بقاءها مرهون ببقاء النظام، كما يرى الكاتبان.

وعندما لم يكف كل هذا للدفاع عن سلطته ، لجأ الأسد إلى حلفائه الخارجيين، فحشدت إيران مليشيات قوية إلى جانب قواتها، بدءا من ميليشيا حزب الله اللبناني ثم عشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة الإيرانيين والعراقيين وحتى الأفغان، وقد ترك لهم الدكتاتور السوري -دون أن يطرف له جفن- كامل الصلاحيات في دولته وجيشه، ما داموا يقاتلون من أجله.

وتخلى الأسد عن مزيد من السيادة عندما دعا روسيا لإنقاذه عام 2015، بعد أن فقد السيطرة على 80% من الأراضي، لتتدخل موسكو عسكريا، بعد أن كانت تحمي النظام سياسيا ودبلوماسيا بحق النقض في الأمم المتحدة، وذلك مقابل انفتاح على البحر الأبيض المتوسط، وامتيازات ذات أولوية في الموانئ والفوسفات السوري.

ومع كل هذا -كما يقول التقرير- كانت أنجح إستراتيجية استغلها الأسد هي ورقة الإرهاب الإسلامي، من أجل “شيطنة الثورة” على حد تعبير المعارضين السوريين، حيث تحدث النظام منذ الأيام الأولى عن “مؤامرة”، ووصف المتظاهرين “بالمندسين”، كما تحدث عن “السلفيين المسلحين القادمين من الخارج”، فهل كانت تلك نبوءة تحققت أم خطة عمل مدروسة؟

وأشار تقرير الصحيفة إلى أن هذا الحديث كان مصحوبا بقرارات ملموسة، منها إطلاق سراح مئات الجهاديين، ومن ضمنهم قادة إسلاميون بارزون اتجهوا نحو شمال سوريا، إلا أن الغارات الجوية كانت تستهدف في كثير من الأحيان السكان المدنيين لا المقاتلين المتطرفين.

غير أن الفتح الكبير والرائع بالنسبة للنظام كان إقامة تنظيم الدولة الإسلامية “خلافته” عام 2014 في العراق وسوريا، واتخاذ مدينة الرقة السورية عاصمة لها، وإن لم تتعرض هذه العاصمة قط لقصف من قبل القوات الجوية السورية ولا الروسية مثل الذي تعرضت له حلب وإدلب، وإن قصفها التحالف الدولي الذي يحارب الجهاديين.

وبعد شعورها بتهديد أكبر يمتد إلى مجتمعاتها، كما تقول الصحيفة، تخلت الدول الغربية عن معارضة النظام السوري، حتى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال في اليوم التالي لانتخابه إن “الأسد ليس عدونا”، بل “داعش” هي عدو فرنسا في سوريا.

وخلص التقرير إلى أن الأسد ربما يرى نفسه كأنه قد ربح الرهان وقدم نفسه بديلا وحيدا عن فوضى الإرهاب، غير أنه بعد هذا النصر في حربه، ليست لديه خطة لإعادة بناء سوريا الآمنة.


عن صحيفة ليبراسيون الفرنسية ، للاطلاع على الموضوع الأصلي اضغط هنا

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية