الذاكرة: متحف الآلام … لـ: جمال مامو

يجب أن لا ننسى

جمال مامو
صحفي و كاتب سوري

كثيرة هي المشاهد المؤلمة التي تسكن مخيلتي منذ أن اندلعت هذه الثورة، لكن بعضاً منها ينط فجأة إلى ساحة الذاكرة التي تعيده أمامي كشريط سينمائي مراراً وتكراراً.
شريط من العذاب يأبى أن يفارقني ، حتى صارت أثاره واضحة على وجهي وصوتي..

لا أنسى ماحييت مشهد الطفلة الصغيرة في منبج التي دمر طيران العصابة منزلها، فوجدها والدها في الرمق الأخير نصف محترقة.
كانت الصغيرة، التي لم تكتب لها النجاة، تقول بصوت خافت:”بدي أشرب مي.” لازلت أذكر لهفة والدها وهو يزيح الركام محاولاً إنقاذها مستصرخاً الناس ليساعدوه..
يومها التقيت ببعض أصدقائي في المقهى ولم نكن قد غادرنا حلب بعد، فرأيت الدموع في عيونهم، قال لي أبو مهند:” “حرقتلي قلبي” ثم نزلت من عين الرجل ذي الملامح القاسية دمعتان.

أما المشهد الذي يقفز أمام عيني كلما رأيت طفلاً مقتولاً فهو مشهد ذلك الأب الميداني المسكين الفقير الذي صوره تلفزيون العصابة .
وهو يقف أمام جسد ابنه الصغير الذي لم يتجاوز أعوامه التسعة..
حينها كانت بعثة المراقبين العرب تزور سوريا، وكان واضحاً أن عصابة النظام تريد إظهار المظاهرات على أنها أعمال عنف وتخريب وتفجير..
في ذلك المشهد:
قال الأب المفجوع: أرسلت ابني ليجلب بعض الخبز، لكن حدث التفجير ومات. ..قال لي الناس إن رجالاً ملثمون وضعوا حقيبة مكان التفجير وهربوا وهم ينادون “حرية حرية”… بعد دقائق مر طفلي من هناك وحدث التفجير..
طبطب أحد أعضاء فريق المراقبين العرب على كتف الرجل الذي تهدج صوته بينما كانت شفته السفلى ترتجف ودموعه تنزل من عينيه …ثم انتقلت الكاميرا إلى جسد صغير نحيل مغطى بشرشف أبيض.. كان رأس الطفل ظاهراً وعيناه نصف مغمضتين كأنه يحلم.

كلما كررت مشهد الأب وطفله أمامي رأيت كل الخذلان والفقد، كل تلك الحسرة، كل ذلك الكسر في الروح والقلب الذي لا يجبره شيء..

بعد هذا التعذيب المستمر لنفسي، أسألها كيف يمكن لمن زرع تلك القنتبلة وقتل ذلك الطفل أن ينام؟؟
أسألها :
أي وحوش كنا نعيش بينهم؟؟ أ
أي شيء يجعل اولئك القتلة يستمرون في القتل، خصوصاً قتل الأطفال بكل هذا الدم البارد؟
كيف يمكن لإنسان سوي أن يبقى مؤيداً لهذه العصابة من القتلة أياً يكن موقفه من الثورة ومآلاتها؟
كيف تكون إنساناً ثم تقبل بكل هذا الظلم؟

كيف ؟؟


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية