نيويورك تايمز : هل بوتين عميل للمخابرات الأمريكية ؟ لـ: توماس فريدمان
إن تردد الرئيس ترامب الثابت في قول أي شيء سلبي حيال روسيا هو أمر ملفت للنظر لدرجة أن مديرًا سابقًا للمخابرات الوطنية ، جيمس كلابر ، قد لاحظ ذات مرة أن فلاديمير بوتين يدير ترامب كما لو كنا “رصيدا” للمخابرات الروسية. لكن إذا كنت مواطنا روسيا ، سأطرح هذا السؤال: هل بوتين عميل أميركي؟
لماذا يمكن أن يكون بوتين عميلا أميركيا؟
والإجابة: نظراً إلى أنَّ بوتين قد اتخذ العديد من الإجراءات في السنوات الأخيرة، والتي ساهمت في إضعاف الاقتصاد ورأس المال البشري في روسيا، لدرجة أنه يجب عليك التساؤل عما إذا كان مُدرجاً سراً في قائمة رواتب الاستخبارات المركزية الأميركية.
ومنذ 2007 أو 2008، يبدو أنَّ بوتين قد قرر أنَّ إعادة بناء روسيا من خلال رعاية مواهبها البشرية الهائلة وتدعيم حكم القانون سيكون صعباً للغاية، وسيحتاج إلى تقاسم السلطة، وإجراء انتخابات تنافسية حقيقية، وبناء اقتصاد متنوع الموارد حقاً وقائم على الابتكار.
وبدلاً من ذلك، قرر بوتين محاولة استعادة منزلة روسيا عن طريق جميع الوسائل الخاطئة؛ عن طريق استغلال آبار النفط والغاز، وليس إمكانات شعبه؛ وتعزيز الجيش الروسي، بدلاً من سيادة القانون؛ وإثراء نفسه والأقلية المحيطة به، بينما يلف نفسه بعباءة الأرثوذكسية الروسية والقومية التي راقت مؤيديه”..
ونقلت صحيفة Les Echos، وهي أكبر صحيفة يومية لأخبار الأعمال في فرنسا، عن أحد الخبراء التقنيين الروس مؤخراً قوله إنَّ “شركة مايكروسوفت وحدها تُسجل عدداً من براءات الاختراع أكثر من روسيا بأكملها!”. وذكرت الصحيفة أنَّ سوق التكنولوجيا الروسي ليس ضعيفاً فحسب؛ بل إنَّ “الفساد في النظام القضائي يجعل من الصعب الدفاع عن قضيتك في المحكمة عندما يستولي أحد المُعتدين على شركةٍ ناشئة ناجحة”
وعلى الرغم من كل الأشياء التي قام بها بوتين للتظاهر بالشجاعة، والنقاشات الأخيرة حول كيف أنَّ بوتين قد أثبت أنَّه حاكمٌ مُستبد ناجح، لدي سؤالٌ واحد: إذن، لماذا يشعر بوتين بالقلق تجاه شعبيته الحقيقية في روسيا حتى بعد مرور 20 عاماً وهو على رأس السلطة، لدرجة أنَّه خشي السماح لمرشحٍ مُستقل واحد جدير بالثقة، بالترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ضده؟
وإليكم الحقيقة: يتصرف بوتين باستمرار مثل المزارع الذي يبيع لحومه الأكثر قيمة مقابل الحصول على مكعباتٍ من السكر. وهذا يعني أنَّه يبحث عن فوائد على المدى القصير لتعزيز شعبيته لدى قاعدته القومية الروسية؛ لأنَّه يشعر بالقلق، ويدفع ثمنها من خلال التخلي عن أكبر إمكانات روسيا، مما يتركها أضعف على المدى الطويل.
لحم بقري مقابل سكر، هذه لا تُعدُ صفقةً جيدة.
على سبيل المثال، في عام 2014، استولى بوتين على شبه جزيرة القرم وغزا أوكرانيا الشرقية باستخدام قواتٍ روسية مموهة، للحصول على دفعة طاقة قصيرة المدى تزيد شعبيته لدى الناخبين الروس. وفي المقابل، كان عليه أن يعيش مع عقوباتٍ مصرفية اقتصادية طويلة المدى فرضها عليه الغرب تعمل على إبطاء نمو روسيا.
وفي عام 2015، لإثبات أنَّ روسيا كانت لا تزال قوةً عظمى، وهي دفعة طاقة سُكر كبيرة أخرى قصيرة المدى لقاعدته، أرسل بوتين مستشارين، وطائرات سلاح الجو الروسي، وفرق عمليات خاصة، وبطاريات صواريخ أرض-جو إلى سوريا، لمنع إطاحة حليف روسيا في الحرب الباردة بشار الأسد. وأبقى دعم بوتين، إلى جانب مُساعدة إيران، الأسد بالكاد في منصبه. إلا أنَّ بوتين الآن عالقٌ في وسط سوريا، ولا يستطيع الخروج منها، وإلا فسيسقط الأسد وسيبدو بوتين بمظهر الأحمق
وإليكم كيف وصف خبير السياسة الخارجية الروسي المخضرم فلاديمير فرولوف سياسة بوتين في إصلاح سوريا، بمقال نُشر 5 مارس/آذار 2018 في صحيفة The Moscow Times الروسية:
“في سوريا، تكتشف روسيا أنَّ الفوز بالحرب قد يكون أسهل من الفوز بالسلام. في كل مرة يُعلن فيها الرئيس بوتين النصر أو يعلن سحب القوات الروسية، كما فعل في ديسمبر/كانون الأول 2017، تزيد حدة القتال بشدة أكثر، ويكون مطلوباً من موسكو أن تُرسل تعزيزات… موسكو الآن تُكافح لاستثمار مكاسبها العسكرية لتحقيق تسوية سياسية شرعية دولية، من شأنها أن تُساعد روسيا على استرداد استثماراتها في الصراع. في الوقت الراهن، لا تزال سوريا غير قابلة للحكم، ومُقسَّمة إلى إقطاعيات يُديرها لاعبون إقليميون لديهم مصالحهم الخاصة”
وتتمثل آخر صفقة قايض فيها بوتين اللحم البقري مقابل السكر، في أمره الواضح باستعمال غاز أعصابٍ عسكري يُنتَج فقط في روسيا، لتسميم الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا في مدينة سالسبوري الإنكليزية. وكان الرد الغربي هو ما وصفته رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، بأكبر طرد جماعي لضباط استخبارات روسية مزعومين على الإطلاق؛ إذ طُرِدَ أكثر من 100 شخص من أكثر من 20 دولة، بحسب المقال.
وسواءٌ كان ذلك مُخططاً لحدوثه في ذلك الوقت أو مُصادفةً، ساعد هجوم التسميم ورد الفعل الغربي العنيف بوتين على رفع نسبة الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات الرئاسة الصورية الأخيرة، وهي دفعة طاقة سكر أخرى. ولكن في صباح اليوم الذي يليه، أصبحت روسيا بوتين أكثر عزلة من أي وقت مضى. وأصدقاء بوتين وغيرهم من الأقلية الحاكمة الروسية، الذين يهدفون إلى كسب الكثير من الأموال المشبوهة في روسيا ثم نقلها إلى لندن حيثُ يمكن غسلها والاحتفاظ بها- أصبحوا محل تدقيق الآن أكثر من أي وقتٍ مضى من قِبل السلطات البريطانية.
ثم هناك استراتيجية بوتين بعيدة المدى، وهي الدخول في مراهنة ضد الطبيعة الأم، والطبيعة البشرية، وقانون مور، كلهم في آنٍ واحد. إنَّه يراهن ضد الطبيعة الأم بأنَّ العالم سيبقى مُدمناً نفطه وغازه إلى أجلٍ غير مسمى في عصر تغيُّر المناخ المُدمر. ويراهن ضد الطبيعة البشرية بأنَّ الشباب الروس لن يرغبوا في أن يكونوا أحراراً لتحقيق إمكاناتهم الكاملة، وسيرضون فقط بالعيش على دفعات طاقة السكر التي توفرها ذكريات العظمة التاريخية التي تحققها روسيا حالياً. وهو يدخل في مُراهنةٍ ضد قانون مور بأنَّ النمو الثابت للتكنولوجيا لن يؤدي إلى تمكين شباب روسيا من التواصل والتعاون وكشف غموض تمثيليته.
مشاكل بوتين ليست شيئاً أحتفل به. لقد كنتُ ضد توسع الناتو. وكنتُ أرغب في دمج روسيا بعائلة الديمقراطيات الأوروبية. فروسيا وهي ضعيفة، ومعزولة، ومذلولة تعد حيواناً خطيراً. ولكن حتى تزدهر على المدى الطويل، تحتاج روسيا إلى (إعادة ضبط)، وهذا يمكن أن يأتي من الداخل فقط. ولكن بوتين لن يضغط على الزر”، كما يقول فريدمان.
وكتب كينيث روغوف، الاقتصادي في جامعة هارفارد الأميركية، في صحيفة The Guardian البريطانية العام الماضي (2017): “من دون الإصلاح، لا يوجد سبب قوي يدعو إلى التفاؤل بشأن اتجاه النمو في روسيا على المدى الطويل، بالنظر إلى ضعفها الديموغرافي، وضعف المؤسسات، والفشل الذريع في تنويع اقتصادها، على الرغم من وجود عدد هائل من السكان الموهوبين والمبدعين. إذا استمر العالم في التحرك نحو مستقبل به نسبة كربون منخفضة، فستواجه روسيا خياراً لا مفر منه، وهو إطلاق العنان للإصلاحات الاقتصادية والسياسية، أو مواجهة التهميش المستمر، مع أو من دون عقوبات الغرب”.
وختم فرديمان مقاله بقوله: “من المحزن أن نرى بلداً قدم لنا تشايكوفسكي، وتولستوي، وسبسكي، وساخاروف، وسترافينسكي، وشيشكين، ودوستويفسكي، وسولجنيتسين، وبوشكين، ونورييف، وسيرغي برين الشريك في تأسيس شركة جوجل- يصبح معروفاًاً أكثر بمنحه العالم غاز أعصاب نوفيتشوك الروسي المُميت الذي استُخدم في بريطانيا، و(الرجال الخُضر الصغار) الروس المُقنَّعون الذين استولوا على شرق أوكرانيا، و(جوسيفر 0.2) العميل الإلكتروني الروسي الذي اخترق البريد الإلكتروني للجنة الوطنية الديمقراطية الأميركية في عام 2016.