قطار”سيزر” القادم ..لـ: سعد فنصة

سعد فنصة
كاتب و مؤرخ و مصور سوري

خلال الأيام القادمة .. ولربما الساعات اللاحقة، سيوقع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” حزمة القوانين الأمريكية على مشروع وزارة الدفاع والذي ضَمنت أخيرا بعد سنوات نافت عن الثلاث، القانون الملزم بمتابعة جرائم النظام الحاكم بدمشق، من خلال الوثائق الخطيرة التي قدمها الضابط السوري المنشق، والمسمى افتراضا “سيزر” مع زميله المفترض”سامي” الذي قام بحماية الوثائق والبيانات وتهريبها الى خارج سورية، في محاولة فائقة البراعة لإنفاذه وإنقاذه من الدوران بين أروقة الكونغرس واستهتار الرئيس الأسبق “باراك أوباما” وادارته السابقة في هذا الملف تحديدا، بالقياس لطموحاته السياسية بتحقيق نصر سياسي عند الإتفاق مع ملالي طهران حول البرنامج النووي الإيراني. ( في نص سابق نشر في “الأورينت نت” عام 2015 اشرت بوضوح الى اطلاق الرئيس أوباما يد ايران في سورية مقابل التوقيع على اتفاقية خمسة + واحد، وصَحَت هذه الفرضية فيما بعد).

 تأخر التوقيع على القانون أكثر من عامين، في الفترة الرئاسية المنصرمة للرئيس الحالي بمجلس الشيوخ بعد تدخلات السيناتور الجمهوري “راند بول” مع شركاء آخرين أصروا على عدم تمرير القانون حيث قُدّم مشروع القانون وصُدّق عليه مرتين في مجلس النواب عامَي 2016 و2017، لكنه ظلّ معلَّقاً في مجلس الشيوخ، الى أن تم التوافق عليه أخيرا بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بأغلبية ساحقة وأبصر النور خلال الأيام القليلة الماضية.

قانون “سيزر” الملزم لمدة محددة بخمس سنوات، قابلة للتجديد، بات معروفا تفاصيله، بتوجيه أقسى العقوبات المقيدة لحركة النظام المالي، بخنق مصادره المالية، وملاحقة أفراد وشخصيات النظام ورموزه الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية، وطال أيضا في نصوصه الداعمين الدوليين من روس وايرانيين وحشود مرتزقة ارتكبت جرائم الحرب المناهضة للإنسانية، ضد المدنيين والأبرياء وفي مقدمتها قضية المعتقلين الذين تمت تصفيتهم بأبشع الأساليب توحشا وإهانة للذاكرة البشرية بوسائل ممنهجة، ومتعمدة في إهانة الكرامة الإنسانية.

يبدأ تنفيذ القانون في مطلع العام 2020 بعد توقيع الرئيس الأمريكي المرتقب، بوضعه الإشارات القانونية قيد التنفيذ، التي من المستبعد أن يكون التهرب منها مجديا تحت أي ذريعة، اذ تطال رئيسا فاقدا للشرعية، مع أعوانه ووزراءه، وبقية مجرمي الحرب السورية، التي قام بها فريق قانوني يقوده المحامي أنور البني، عمل بصمت من مختلف عواصم العالم على جمع الأدلة والشهادات الجنائية، وأسماء مرتكبيها وصورهم، بمشاركة فريق متنوع من المغامرين الحقيقيين من الداخل السوري، خلال أسوأ ظروف ضاغطة، يمكن أن يعمل بها نشطاء حقوقيون ومصورون وصحفيون ناشطون في حمل المجتمع الدولي على تبيان خطورة الجرائم الهائلة المرتكبة تحت بند المادة القانونية المشرعة من القانون الأساسي لشرعة الأمم المتحدة والذي كان يقابل دائما بالفيتو الروسي.

ما يهمني الإشارة اليه بوضح في هذه القضية الخطيرة التي تدخل في صلب الحياة الأخلاقية، بوصفي مراقبا مستقلا، مثل الكثيرين، منحازا الى قضايا الناس والضمير وشهدت ما شهدته من خبرات مأساوية، أقف باشمئزاز لم يسبق لي أن شهدته، فيما سبق لي أن نوهت عنه عشرات المرات  بنصوص واضحة لا لُبس فيها، مؤرخة في حينه، عن فريق التهريج المُقرف الذي أمتهن الظهور حتى التدافع على ميكرفون الخطابة، عند مشاهد الصور البائسة للتفاوض مع هذا النظام الذي فاقت جرائمه حدود المعقول والعبث المدمر حتى لذاته وللآخرين، وروَّج لها بغباء وميوعة، وأقصد فريق المعارضة السورية لما يسمى الإئتلاف، واللجنة الدستورية المُنْبَثة عنه، المترنحة بأوهام مفاوضات الدستور بأوامر روسية هدفها كسب الوقت، منذراً في حينه بأن كل هذا الهذر واللغو، لم يكن إلا سببا لمزيد من الآلام للشعب السوري بإطالة أمد مأساتهم، ومنح النظام شديد الجرمية والتوحش، شرعية مؤقتة من أجل لاشيء.

في الطرف المقابل من الكرة الأرضية كان هناك فريق الشباب السوري المستقل بجهده عن الصراعات والأوهام التي افرزتها الكارثة السورية المديدة، من عاصمة القرار للولايات المتحدة الأمريكية، يعمل بإصرار وعزيمة لا تقهر (شهدت بعضهم عن كثب في المنظمة الأمريكية السورية SAC وغيرها من المنظمات الأهلية  لسوريا حرة، وفريق المهمات  السورية العاجلة Syrian Emergency Task Force التي عملت كمجموعة ضغط في الكونغرس ودوائر صناعة القرار الأمريكية. وفي مقدمتهم شباب وشابات يمتلكون من الطاقات والمسؤولية الفاعلة ليكونوا صوتا مدويا وسط تجاذبات المشهد المؤلم كان من أبرزهم : معاذ مصطفى وسوزان مريدن وفاروق بلال وبسام بربندي والطبيب هشام ناجي وآخرون ليس مصرحا لي الإدلاء بأسمائهم) في إدراك شبه المحال، حتى حدود المستحيل في سجالات السياسة الأمريكية الحالية، التي راهن عليها النظام طوال سنوات للبقاء على سدة المشهد، في جعلها واقعا وقانونا أمريكيا مرشحا لأن يكون دوليا بامتياز القوة الأمريكية العظمى، سيكون له منعكسات هائلة قادمة، في محاسبة هذا النظام الرث المتآكل باللصوصية والفساد والسطو على مقدرات البلاد وثرواتها وتراثها، حتى الإنهيار الشامل للإقتصاد والليرة الوطنية، وما بقيَّ منها أفلس في الريع الأخير من ثقافة اقتصاد تهريب النفط والآثار والذهب واحتياطي النقد، إضافة الى اقتصاد القاع  من مخدرات وأعضاء البشرية وجرائم الحرب، في صور رآها الأعمى وسمع بها الأصم.

لعل الإشكالية غير الواضحة في هذا القانون انه استبعد في مواده محاسبة الفصائل (المتأسلمة) التي ركبت على الثورة، ومارست ابشع صنوف الإضطهاد وقصف المدنيين، وانتهجت قتل الأطفال بدماء باردة، واغتصاب النساء وأتممت سرقة مالم يسرقه النظام، وشكلت عصابات قتال مرتزقة، تحت رايات وشعارات يؤمن بها الحشاشة ومتعاطوا الأفيون.

إنها النهاية الدراماتيكية المتوقعة لهذه العصبة في دمشق، بانتهاء وظيفتها المحددة

“سيزر” قطار وقف طويلا في “بيروقراط” المحطات الأمريكية عند مِفصل منه، وفي مصالح السياسة الضيقة لبعض مشرعي السياسات الأمريكية، واداراتها المتبدلة في مفصل آخر، ولكنه تحرك بثقل وهدير هائل وصفير حاد، من شأنه أن يُسمَع جيدا في طهران وموسكو ولأن يكون مؤثرا على اقتصاديات الحرس الثوري الإيراني وشريكه في الأزمات والفشل..النظام المافيوي البوتيني، وعلى كل من يجرؤ في عواصم العالم اللعب على فكرة إعادة انتاج الأسد، ولعلي أراها من الآن ملوحة اليه بالوداع، بعد أن تغافلت عن جرائمه طويلا.. كما أن شركات الأسلحة التي أثرت خلال سنوات الحرب المستعرة، من دماء الشعب السوري، ستفسح المجال قليلا لشركات إعادة الإعمار واستخراج النفط والغاز، التي انتظرت بصبر، حفل الدفن لهذا النظام الهارب من المقبرة منذ عقود، كي تبدأ هي حفلة عرسها بمجلس الحكم الإنتقالي.

إنها النهاية الدراماتيكية المتوقعة لهذه العصبة في دمشق، بانتهاء وظيفتها المحددة، وهي تدرك تماما المعنى الأبعد لهذه الكلمات، ويبقى السؤال معلقا عن جدية المحاسبة الفعلية أمام محكمة الجنايات الدولية مرهونا بتفاصيل لازالت برأي شخصي …غامضة.


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية