التمساح ..غائم إلى غائم جزئيا ( قصة ) لـ : د.محمد صالح الآلوسي

التمساح ..غائم إلى غائم جزئيا ( قصة )
لـ : د.محمد صالح الآلوسي

[ult_ihover thumb_height_width=”180″][ult_ihover_item title=”د.محمد صالح الآلوسي” thumb_img=”id^60901|url^https://ebd3.net/wp-content/uploads/2018/02/محمد-صالح-الآلوسي.jpg|caption^null|alt^null|title^محمد صالح الآلوسي|description^null” hover_effect=”effect19″ title_font_color=”#2cd3b4″ desc_font_color=”#2cd3b4″ block_border_size=”1″ title_responsive_font_size=”desktop:22px;” title_responsive_line_height=”desktop:28px;” desc_responsive_font_size=”desktop:12px;” desc_responsive_line_height=”desktop:18px;”]أديب سوري[/ult_ihover_item][/ult_ihover]
على الدرج، وقد خرجنا لاستراحة مضاعفة مدتها ساعة، التقيت بصديقي العيلامي، فاقترح علي أن نشرب القهوة معاً وأن نتحدث بأمور عملية مفيدة بعيداً عن الشعر والنثر، فقلت: لا بأس..وجعلت أتساءل بيني وبين نفسي عن تلك الأمور العملية المفيدة ما عساها تكون، فهي أدعى إلى الضجر من حديث الشعر والنثر، لاسيما إذا تعلق الأمر بالكهرباء وانقطاعها، أو مخبز الجامعة الذي يفيض علينا بالخبز حين يكون متوفراً في الأسواق، ولا نراه أوان الأزمات. ولم يطل تفكري فقد عاجلني بهذا السؤال:

– من الناحية العملية، ماذا تفعل إذا فوجئت بتمساح أمامك؟
– لا أفعل شيئاً.. أواصل طريقي كأني لم أره.. ليس من المعقول أن أشغل نفسي بكل تمساح أصادفه في طريقي..
– لا أتكلم على المجاز بل على الحقيقة..
– على الحقيقة لا يمكن أن يحدث ذلك.. فهذه الحيوانات المفترسة المرعبة مهددة بالانقراض، لولا أنهم صنعوا لها مباقر خاصة يربونها فيها.
– كل شيء ممكن، هكذا علمتنا الحرب..
– سأقول له: حسناً.. تترك القطط السمان لتفترسني.. إنك تضيع وقتك دون طائل يا سيدي التمساح..
– عدنا إلى المجاز.. كن جاداً مرة واحدة في حياتك يا صديقي.. ماذا تفعل إذا وجدت نفسك في مواجهة التمساح؟
– سأدعه يفترسني ويخلصني من هذه العيشة.. من أجل فنجان قهوة كل هذا الرعب.. طاب الموت يا أخي.. قل لي ماذا علي أن أفعل وخلصني..
– ألا تلاحظ أن الحرب قد جعلتك قصير النفس.. تحتد لأبسط الأمور.. خذ الأمر ببساطة.. لن تستطيع مواجهة التمساح فعليك البحث عن مكان آمن..
– فعلاً في المناطق الآمنة أنت في مأمن من التماسيح..
– أرأيت ؟ تترك المجاز لتذهب إلى الرمز.. انس الحرب وروسيا وأمريكا.. تمساح حقيقي ليس رمزاً لشيء
– تمساح حقيقي؟ ألتجئ إلى أقرب بيت وأغلق الباب خلفي..
– توم وجيري يعني.. لن أطيل عليك .. أقرب مكان آمن تلتجئ إليه هو فم التمساح.. تغافله وتدخل بسرعة، وتجلس بين أسنانه.. لن يراك.. ولن يخرجك من ملجئك لأنه لا يستخدم السواك.. ستعيش عيشة آمنة يحسدك عليها قيصر الروم، لأن القيصر في عزه لم يكن يأمن من الدسائس والمندسين..
دخل صديق فانطوى حديث التمساح، وشربنا القهوة وعدنا إلى العمل.
حين الانصراف لاحظت أن الجوّ تغيّر من صحو إلى غائم جزئيّاً، كما ورد في نشرة الأرصاد الجوية.. كان لإحدى الغيمات شكل تمساح، أو لعل تذكري لأحجية صديقي جعلني أراها تمساحاً وليس ضبّاً، فأخذت أراقبها، كان شكلها يتغير باقترابها وبابتلاعها لغيوم صغيرة في طريقها، ثم تلاشى الجسد وبقي الرأس فحسب.
توقفت عن متابعة الغيمة، لئلا اصطدم بأحد أو بشيء، وقلت: لا يليق بي أن أبقى أسير حكاية. وهكذا كلما حاولت عيناي النظر إلى أعلى بحثاً عن الغيمة زجرتهما، وطال الأمر حتى نسيتا الغيمة.. وساد في داخلي هدوء حذر قطعه دوي عظيم، تلاه صوت طائرة ..
ارتعبت أول الأمر، وبدت مني ارتجافة، أو نصف ارتجافة، فخجلت من أن يكون أحد المارة لحظ ذلك، حاولت أن أبدو لا مبالياً كالآخرين، فنحن في منطقة آمنة، أو آمنة نسبياً لأن مدفع جهنم يتذكرنا بجرة غاز بين حين وآخر، ونجحت في التظاهر باللامباة مع أن قلبي كان يقول: الله يستر.. نظرت في السماء أبحث عن عن مصدر الدويّ، فتذكرت الغيمة التي تابعتها قبل قليل، كان في السماء غيمة واحدة متصلة.

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية