بفضل مسيرة صحافية نشطة تنقّل فيها بين أكثر النقاط سخونة في العالم العربي وما حوله، ثم بفضل تأسيسه لدار نشر حملت اسمه وجعلت من ملامسة المسكوت عنه – سياسياً وعقائدياً وتاريخياً – هدفها، أخذ الكاتب السوري رياض نجيب الريّس (1937 – 2020) الذي رحل عن عالمنا اليوم موقعاً خاصاً في ثقافتنا العربية المعاصرة، ولعلّه أحد أكثر المؤثّرين فيها في العقود الخمسة الأخيرة على الأقل.
على عكس دار النشر (رياض الريّس)، كان الراحل يوقّع مقالاته الصحافية (ومؤلفاته أيضاً) باسمه الثلاثي رياض نجيب الريّس، وكأنه بذلك يجعل من تجربته امتداداً لتجربة والده الذي كان هو الآخر صحافياً وكان صاحب جريدة في سورية الأربعينيات، باسم “القبس”، خاض فيها رياض تجاربه الصحافية الأولى وهو فتى تحت العشرين، قبل أن تغلق الجريدة ضمن موجة التأميم التي عقبت الوحدة مع مصر. وبشكل أوسع، انتهت لحظة الحريات في سورية ولم يعد من الممكن أن تنشأ داخلها صحافة كالتي يطمح إليها رياض الشاب.
انتقل أولاً إلى بيروت باعتبارها الامتداد الطبيعي لفضائه الأول، ومنها تنقّل بين بؤر العالم المشتعلة، من فيتنام إلى اليمن، كما أنها فترة تميّزت بالتحامه بدوائر الثقافة، والشعر خصوصاً، وقد لا يعرف كثيرون أن مؤلفات الريّس الأولى كانت شعرية وأنه كان ضمن فريق تحرير مجلة “شعر”.
غير أن الحرب الأهلية هجّرت الريّس من جديد بعيداً عن مشاريعه، فاختار الاستقرار في لندن منذ 1977 وفيها أصدر جريدة “المنار”، والتي تعدّ أوّل جريدة عربية تصدر من عاصمة الضباب.
أسّس الريّس دار النشر التي تحمل اسمه عام 1987، واختار لها لندن مقراً بعيداً عن أعمدة الدخان في لبنان زمن الحرب الأهلية وعن جميع العواصم العربية الأخرى التي كان من المتوقّع أن تضيق بما ينوي إصداره من كتب لا تتورّع في تسمية الإخلالات بأسمائها. وكما نتحدّث عن كاتب له أسلوب لافت، يمكن القول بأن الريّس كان ناشراً ذا أسلوب خاص، وكثيرة هي شهادات المؤلفين الذين أصدروا أعمالهم معه عن مقترحاته ونقاشاته حول الأفكار وزوايا المقاربة وطرق الكتابة وغيرها من الأمور التي جعلت لمنشورت رياض الريّس نكهة خاصة من الإثارة والعمق.
أسّس الريّس أيضاً مجلة “الناقد” (1989 – 1995) ولاحقاً أصدر مجلة طريفة بعنوان “النقّاد” وكان لها تطلّع فريد بتناول كواليس الثقافة والمثقفين العرب، كما أطلق “جائزة يوسف الخال للشعر” و”جائزة الناقد للرواية”، وهو ما يعبّر عن تنوّع في الاهتمامات قلّما نجده لدى مثقفين عرب آخرين.
ورغم أنه استقرّ في بيروت في العقدين الأخيرين من حياته، إلا أن الريّس لم يعد يكتب، وقد عبّر عن رغبته في مواصلة الإنتاج الصحافي مشيراً إلى حالة من النبذ مارستها الصحف البيروتية ضدّه، وهو ما ظهر في كتاب مذكّراته “صحافي المسافات الطويلة” (2017) الذي تميّز بروح حزينة ومنها قوله: “ها أنت تقف وحيداً أمام صندوق حياتك، الذي كسائر صناديق الآخرين، لا يفتح بسهولة. وربما سيكون عليك كسره أو رميه على الأرض، ستجد في هذا الصندوق فتات من بطاقات الآخرين البريدية أو قطعاً من صناديقهم فهذا ما يفعله الأصدقاء حين يغيبون. يتركون في ذاكرة من بقي حياً عاداتهم المفضلة، أصواتهم، رؤيتهم للحياة، ونكرانهم المتواصل للموت. وهذا ربما ما أفعله الآن”.
من مؤلفاته الأخرى: “المفكّرة الأندلسية.. أمويّ في غرناطة، دمشقي في قرطبة”، و”حديث صحافي مع الإمام علي بن أبي طالب”، و”الخليج العربي ورياح التغيير”، و”لبنان تاريخ مسكوت عنه”، و”مصاحف وسيوف”، ومعظمها أعمال بقيت في القوائم السوداء لمعظم البلدان العربية فلم تُقرأ إلا في أوروبا وبيروت.
برحيل رياض نجيب الريس .. الذي حرك بمنشوراته العقل العربي من مستنقعه الديني والسلطوي .. يفقد مشروع انارة سراديب الظلامية في الخروج الى
المستقبل، أحد ابرز رجالات التنوير .. تاركا الساح للمهرجين والدعاة والتافهين ووزارات السخافة العربية .. بدعوى نشر الثقافة .. التي تمجد الحاكم وتطفىء العقول عن اسئلة المصير الاسود القادم للانسان العربي ..
توفي رياض الريّس.
مات أشجع وأجرأ الورّاقين في هذا الزمان.
مات رياض الريس، مات “الصانع الأمهر”
للكتاب وللصحافة، صاحب الدار الأكثر انتشاراً وإثارة، الرجل الذي اخترق المحرمات العربية بلا هوادة: كتباً وصحافة….
هذا يوم نقصان للكتاب وللصحافة.
غيب الموت الصحافي السوري سليل عائلة من رواد الصحافة الدمشقية رياض نجيب الريس ابن المناضل ، والصحافي الرائد
نجيب الريس صاحب قصيدة :
– رياح الشمال
آخر المشوار: رياض نجيب الريس
فقيد سورية والعالم العربي
ببالغ الحزن والفقد رائد فكر وحرية
وفاة الصحفي والكاتب والناشر
الأمير
رياض نجيب الريس.
البرنس هكذا وصفه لي الشاعر الكبير نزار قباني عندما عرفني عليه ..
إذا عدّ أعلام الحرية العرب في القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين سيكون رياض الريس واحداً منهم تماما إلى جانب صحافة الحرية ومدرسة شعر في النقد والأدب والصحافة ..وإذا عدت صحف الموقف والحرية
فسوف تذكر مجلة الناقد والنقاد التي خرجت عن اسوار الاعلام العربي الرسمي وأعلنتها حرية وليبرالية إنسانية ..
واذا عدّ صحافيو الحرية والتحليل واستشراف الأزمات الكبرى لعد رياض نجيب الريس وحدا في طليعتهم
أما جوائز الناقد الذي اعتدّها الريس في الناقد باسم الشاعر يوسف الخال فقد أظهرت نخبة من المواهب لا تتكرر
ولرياض الريس عشرات الكتب المؤلفة في النقد والادب والصحافة
عدا دار الناقد للطباعة والنشر التي إلى الآن تعدّ في ادإهم دور الطباعة والمنشورات العربية التي كسرت تابو النشر وتحجرات وصايا الاعلام والنشر ..
..أذكر أنه نشر لي نصوصا في الناقد لابجرؤ على نشرها أحد
تحية كبرى لروح هذا الرائد العلم الكبير الذي خسرته سورية وخسره العالم العربي المعقور ..
وقد رثاه الكاتب الحر والكبير فواز طرابلسي :
رياض نجيب الريس وداعا
كتب Fawwaz Traboulsi
اليوم خسرت أخي ورفيق عمري، منذ أيام الدراسة، وصديقي وناشري، رياض نجيب الريّس،
الذي توفي من مضاعفات إصابته بكوفيد ١٩ في المستشفى.
أبكيه مع نوال وجنى وهاشم، وأتشارك في العزاء مع زوجته العزيزة فاطمة وأخيه عامر وابنه نجيب وابنته ساره وسائر عائلته.
رياض الذي لم يرد تعريفاً بشخصه اكثر من انه صحافي يتعاطى النشر، احد آخر كبار الصحافة العربية المكتوبة التي تطوي اعلامها امام اجتياح وسائل الاتصال الاجتماعية والاعلام الرقمي. مارس الصحافة بالوانها المختلفة وخصوصا مغامراته في الصحافة الميدانية عبر العالم. ورياض في الدار التي أنشأها مبتدع مدرسة تجديد وخيال ودأب وجرأة في نشر الكتاب العربي. انا مدين له بالكثير الكثير لتشجيعي على التأليف وتحفيزي على النشر وملاحقتي على التسليم على الوقت.
لن تسنح لي و لمحبيه الكثر القاء النظرة الأخيرة عليه، لكني متأكد من ان رياض الريس، السوري-اللبناني، ساكن في قلوب كثيرات وكثيرين في هذا العالم العربي قدر ما انا متأكد من انه باقٍ في ما كتب ونشر.
أ نحسب أمام الصمت.
توفي الكاتب والناشر السوري رياض نجيب الريس عن عمر يناهز ٨٣عاما.
( الصحافة أكلتني ، أكلت لغتي ، أصبحت هوسي، حياتي كلها صحافة )
كان لي الشرف أن ألتقي صحافي المسافات الطويلة رياض الريس في بيروت منذ سنتين أثناء تصوير فيلم (رحلة في الزمن الصعب) عن والده الصحافي اللامع، والوطني النبيل نجيب الريس. وكان لمشاركته دورا أساسيا في إثراء الفيلم.
لروحه الرحمة والسلام