![](https://ebd3.net/wp-content/uploads/2019/06/الروائي-إبراهيم-الجبين-2-2-1.jpg)
تبدو المرحلة الانتقالية في سورية مشوبة بالمزيد من التحديات التي لا تواجه قائد الإدارة السورية أحمد الشرع وحكومة البشير وحدهما، بل هي بمثابة اختبار مستحق ينتظر من الجميع المرور منه من دون الوقوع في أخطاء قد تربك المسار أو تدخله في منعرجات سيكون من الصعب العودة عنها.
لماذا نقول هذا؟ لأن السوريين لم يستيقظوا بعد من واقع أنهم اليوم بلا قوة ضاغطة تؤثر على أدائهم، كما كان حالهم قبل الثامن من ديسمبر/ كانون أول الجاري. وحين يفعلون ويدركون أنهم لم يعد هناك من يحاول هدم ما يبنونه من جسور تواصل فيما بينهم، وتخريب الطروحات التي يقدمونها للحوار الوطني، سيبدأ نهج جديد في التعاطي السوري السوري.
أولاً وقبل كل شيء، يجب على النخب السورية المعارضة الاعتراف بأنه من المتحمل ألا يكون لديها دور تلعبه في صياغة المرحلة المقبلة، فقد يتم الاستعانة بوجوه جديدة تماماً لشغل المواقع القيادية. بالمقابل فإن الانسحاب من الحقل العام، لن يكون سهلاً على من قدّموا التضحيات وعملوا طيلة السنوات الماضية في سياق الثورة السورية. وهكذا سنجد أن بعض هؤلاء سيحاولون العمل بالقرب من الإدارة – القيادة الجديدة، وسيبحثون لأنفسهم عن مواقع في هياكلها، بينما سيتوجه البعض الآخر نحو العمل السياسي من خلال المشاركة في عجلة الحوار الوطني التي سيطلقها مؤتمر الحوار المزمع عقده في دمشق والذي أعلنت الإدارة عن تنظيمه خلال أيام.
آخرون سيتجهون صوب الآليات التي ألفوها طويلاً، والمتمثلة بالتنسيق مع القوى الفاعلة، حتى وقت قريب، في الملف السوري، سواءً عربياً أو دولياً، وهنا من غير المعروف إذا ما كان الشرع سيسمح لتلك القوى بالتأثير في خطته لترتيب الأوضاع السياسية في الداخل السوري، أم لا.
كان هناك قلق لدى السوريين من إغفال المسار الدستوري وسكّته التي يجب أن توضع عليه كل القرارات القادمة من أجل الوصول إلى سورية التي ينشدها الجميع، لكن تطمينات وتصريحات الشرع بددت تلك المخاوف، لا سيما حين تحدّث في حواره مع الصحفي البريطاني المخضرم والمحرر الدولي، جيريمي بوين لصالح هيئة الإذاعة البريطانية BBC حين أوضح نواياه تجاه الدستور الجديد واللجنة الاختصاصية المكلفة بوضعه، معنى ذلك أننا سنكون أمام مناخ سياسي مفتوح للجدل والمقترحات والرؤى المختلفة.
السوريون يمتكلون ذاكرة قوية وكافية لتمييز أصحاب الطروحات الملغومة.
الوظيفة الأهم والأكثرر إلحاحاً، للسوريين، في الوقت الراهن، هي إعادة افتتاح المنتديات السياسية التي أغلقها المخلوع بشار أسد ، في البيوت والمراكز الثقافية، والاستفادة من الفضاء العام للحديث بحرية عن كل شيء، ومناقشة المفاهيم الإشكالية التي لم يتم البت بشأنها بين السوريين حتى الآن، ومن بينها مدنية الدولة ومعناها، علمانية الدولة ومعناها وإمكانية اعتمادها، الحقوق، الحريات، اتجاه الدولة، والكثير غيرها، من دون إغفال المشهد الذي رآه السوريون قبل يومين حين حاولت فلول نظام الأسد، ومؤيدوه المعروفون الاختباء خلف تلك الشعارات وإعادة تصدير أنفسهم عبرها، وتقديم عرض علني لمن يريد الاستثمار بهم من الخارج.
السوريون يمتكلون ذاكرة قوية وكافية لتمييز أصحاب الطروحات الملغومة عن أولئك الذين يوجهون النقد البناء للخطوات المتبعة من قبل القيادة السورية الجديدة، ولن تنطلي عليهم تلك الألاعيب ولذلك قاموا على الفور بقطع الطريق عليها وفضحها، وحين ستخرج في المرة القادمة ستكون تحت قبضة المحاسبة على مواقف البعض خلال العهد البائد، ممن يريدون غس تاريخهم والتدرّع بثياب المعارضين الجدد، كي يحموا أنفسهم من المحاسبة في خطوة استباقية.
ولكن الاستخدام غير البريء لفلول النظام لتلك المفاهيم، لا يجوز أن يمنع السوريين من إتاحة الفرصة لمناقشتها بأكثر النماذج المتحضرة من الحوارات، بما لا يترك مجالاً لأي طرف للقول إن هناك تكميماً للأفواه أو اندفاعاً شعبياً لتأييد الإدارة الجديدة يتيح الدعس على حرية التعبير.
سيكون هناك الكثير من الجدل الحاد، وستدور نقاشات جوهرية، وأخرى عبثية، وطالما أن القانون مفعّل، والحذر من التدخل الخارجي التخريبي، فلن يشكّل ذلك أي تهديد للسلم الأهلي في سورية، بل إن مناخاً هكذاً سيكون أفضل دليل على جدية الإدارة الجديدة في ما وعدت به.
سورية الجديدة تتشكّل الآن .. …. هي امتداد للجمهورية الأولى التي يمثلها علم الاستقلال الأخضر ذي النجمات الثلاث
سيكون هناك ضغط على الإدارة الجديدة؟ بالتأكيد، ولكن هذا الضغط يتطلب قسطاً وافراً من الحكمة والصبر والتنبّه في الوقت ذاته، ومن حسن الحظ أن ما اعتبره البعض، انغلاقاً من جانب تلك الإدارة، هو نوع من الخط الدفاعي أمام المحاولات التي لن تكل عن التدخل في مسار عملها وإدخال تغييرات تؤثر وبقوة على تماسكها.
سورية الجديدة تتشكّل الآن، وعليها أن تتذكّر أنها لم تكن ابنة حافظ الأسد وبشار الأسد، بل هي امتداد للجمهورية الأولى التي يمثلها علم الاستقلال الأخضر ذي النجمات الثلاث والدستور المرتبط به والحقبة الديمقراطية التي عاشتها البلاد آنذاك.
يجسّد ما سلف خطّ البداية الحرِج لسورية الجديدة، ولا خوف من عبوره بأمان إذا ما تصرّف السوريون في السياسة كما رأيناهم في المنافي وبلاد اللجوء، على كفاءة ومسؤولية عاليتين، وكذا في صبرهم الطويل وتضحياتهم العظيمة، فيما يتعلّق بتقديم صورتهم إلى العالم كله.