رغم قرار المحكمة العليا.. هل تنجح بريطانيا بتنفيذ خطتها بإرسال طالبي اللجوء إلى رواندا؟

بعد أن قضت المحكمة العليا في بريطانيا بـ”قانونية” قرار الحكومة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، لا تزال المنظمات الإنسانية تندد بهذه السياسة “غير الأخلاقية” مشددة على أن “المعركة القضائية” لم تنته، آملة بالتصدي لهذه الخطة والوقوف بوجه عمليات الترحيل بناء على الملفات الفردية لكل شخص.

Protesters in London rally against the deportation of refugees to Rwanda

بعد إعلان الحكومة البريطانية في نيسان/أبريل الماضي عن قرارها إرسال طالبي اللجوء الوافدين إليها بطريقة غير رسمية إلى رواندا، توجهت مجموعة من المنظمات غير الحكومية إلى المحكمة العليا لمنع الحكومة من تنفيذ خطتها وإبعاد طالبي اللجوء إلى رواندا، الدولة الواقعة في شرق أفريقيا والتي تبعد عن لندن ستة آلاف كيلومتر.

ورغم موجة الانتقادات الواسعة وجهود المنظمات غير الحكومية، أصدر القضاء البريطاني قراره أول أمس لصالح الحكومة معتبرا أن الخطة قانونية ويمكن بالفعل ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا.

لكن جاء أيضا في قرار المحكمة أنه على السلطات دراسة الوضع الخاص لكل طالب لجوء قبل إرساله إلى رواندا، وأمر القضاة بإعادة دراسة ملفات ثمانية أشخاص كانوا على قائمة الترحيل إلى رواندا.

وأشارت إيفيت كوبر، نائبة عن حزب العمال البريطاني ووزيرة الداخلية في حكومة الظل في المملكة المتحدة أن القضايا الثمانية لم “تتم دراستها حسب الأصول”، مؤكدة على أن السلطات لم تتخذ بعين الاعتبار أدلة عن انتهاكات ضمت تعرض هؤلاء الأشخاص للتعذيب أو الوقوع كضحايا الاتجار. وأن وزارة الداخلية كانت تنوي أيضا ترحيل امرأة حامل إلى رواندا.

 توضح المنظمات الحقوقية أن نقل هؤلاء الأشخاص إلى دولة ثالثة (رواندا)، لم تطأها قدمهم من قبل، يتعارض مع الالتزامات الدولية للمملكة المتحدة، حسبما تؤكد المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، والتي قدم خبراؤها توصيات للمحكمة تشير إلى وجوب المملكة المتحدة الامتثال لاتفاقية جنيف لعام 1951 التي تنظم الحماية الدولية للمهاجرين.

“من الضروري أن يتلقى المتضررون بشكل فردي من هذه السياسة المساعدة القانونية”

أوضحت منظمة “الصليب الأحمر” أن وزارة الداخلية ستعالج كل ملف على حدة، لتقرر ما إذا كان بإمكانها إرسال الشخص إلى رواندا، لكن لم تكشف الحكومة عن تفاصيل معالجة الملفات، إذ اكتفت بالإشارة إلى أن كل شخص دخل إلى المملكة المتحدة بطريقة غير شرعية (عبر البحر أو الشاحنات) وكان مر بدولة آمنة قبل الوصول إلى المملكة المتحدة (وهي حال أغلب الوافدين) يمكن نقله إلى رواندا التي ستكون مسؤولة عن دراسة ملفه.

وفي هذه النقطة بالتحديد تأمل المنظمات التدخل لمنع عمليات الترحيل.

في أولى عمليات الترحيل التي كانت السلطات على وشك تنفيذها في نيسان/أبريل الماضي، صدر قرارا من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وعُلقت الرحلة الجوية قبل ساعات فقط على إقلاع الطائرة المتوجهة إلى كيغالي، بعدما أثبت محامون أن الأشخاص المرحلين كانوا عرضة للتعذيب وتعرضوا لانتهاكات تجبر المملكة المتحدة على النظر بملفاتهم ومنحهم فرصة تقديم اللجوء على الأراضي البريطانية.

وقال غرايم مكجريجور الناشط في منظمة “ديتنشن أكشن” إنه “من الضروري أن يتلقى المتضررون بشكل فردي من هذه السياسة المساعدة القانونية، فضلاً عن الدعم العاطفي”. إذ يبقى الملف الفردي لكل طالب لجوء مهدد بالترحيل النافذة الرئيسية للمنظمات غير الحكومية للتصدي لخطة الحكومة.

سياسة إلهاء

النائبة إيفيت كوبر، انتقدت بشدة الخطة البريطانية معتبرة أن الحكومة تنتهج سياسة “إلهاء” تلحق “الضرر الشديد” بطالبي اللجوء.

وقالت إن الحكومة “فشلت في التصدي لعصابات تجار البشر الذين يعرضون حياة الأشخاص للخطر”، وعمدت بدلا من حل المشكلة إلى اتباع “خطة غير أخلاقية وغير عملية ومكلفة للغاية”.

وتساءلت كوبر، “رواندا قالت إنها ستؤمن السكن لـ200 شخص، لكن كم عدد الأشخاص التي تنوي وزارة الداخلية إرسالهم إلى رواندا؟ كم تبلغ التكلفة الكاملة؟”، منوهة إلى أن تكلفة ترحيل الشخص الواحد إلى رواندا قد تصل إلى مليون جنيه إسترليني.

“الحكومة عليها أن تكرس هذا الاستثمار والأموال من أجل ملاحقة العصابات التي تعرض حياة الأشخاص للخطر”، وأنهت كلمتها قائلة “بريطانيا تستحق أفضل من ذلك. بريطانيا أفضل من كل ذلك”.

أرسلت بالفعل المملكة المتحدة 140 مليون جنيه إسترليني (نحو 160 مليون يورو) إلى رواندا، بموجب الاتفاقية الموقعة في أبريل. لكن “هذه الخطة لن تنجح إذا اعتقدوا أن الناس سيبقون هناك”، كما يقول لويس مودج، رئيس منظمة “هيومن رايتس ووتش” في إفريقيا الوسطى.

نتائج عكسية؟

بينما تستمر رحلات عبور بحر الشمال والمانش من سواحل شمال فرنسا مع وصول أكثر من 45 ألف شخص منذ بداية العام الجاري، تعتقد حكومة المملكة المتحدة أن خطة رواندا ستكون بمثابة رادع للأشخاص الذين يعبرون القناة الإنجليزية على متن قوارب صغيرة.

لكن يجمع المعارضون لهذه الخطة على أنها قد تولد نتائج عكسية وتؤدي إلى ازدهار أعمال المتجرين بالبشر، وأن يصبح وضع طالبي اللجوء أكثر هشاشة ويتعرضون لاستغلال أكبر من قبل المهربين لا سيما مع ازدياد صعوبة الطريق.

إذا نجحت المملكة المتحدة في تنفيذ خطتها، فإن المهاجرين الذين رُحلوا إلى رواندا “لن يختفوا، بل سيعودون ببساطة إلى الهجرة، ويغادرون من بلد أفقر وأقل أمانا من المملكة المتحدة”، حسبما يقول غرايم مكجريجور الناشط في منظمة “ديتنشن أكشن”.

حاولت إسرائيل تنفيذ برنامج مماثل في العام 2014، حين رحلت طالبي لجوء إلى رواندا أغلبهم من السودان وإريتريا إلى رواندا وأوغندا. لكن معظمهم غادروا بعد فترة وجيزة واتجهوا شمالا مرة أخرى، بالاستعانة بمهربين في بعض الأحيان، بحسب المبادرة الدولية لحقوق اللاجئين في عام 2015.

رواندا، التي وصفتها الحكومة البريطانية بأنها دولة ثالثة “آمنة”، هي في الواقع بعيدة كل البعد عن الترحيب بطالبي اللجوء. وتؤكد المنظمات على أن “الاحتجاز التعسفي وغير القانوني لا يزال شائعًا هناك” ، مع توثيق ممارسات “التعذيب” بانتظام.

وقالت منظمة “العفو الدولية” في المملكة المتحدة إن خطة رواندا يجب “التخلي عنها كلية”، ودعت المنظمة وزيرة الداخلية سويلا بريفرمان إلى “الكف عن استخدام حياة الناس في الأعيب سياسية والتفرغ للمهمة الخطيرة وهي إصلاح نظام اللجوء المختل إلى حد كارثي والسياسات التي تبنتها بشكل متهور من سلفها”.


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية