تعديلات قوانين الهجرة واللجوء في ألمانيا

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن النقص الكبير الذي تعانيه ألمانيا في اليد العاملة. وبرز أمل في هذا الصدد في صيغة حزمة تغييرات في القوانين المتعلقة بشؤون الهجرة واللجوء والعمل. فإلى أي مدى سيلتزم الائتلاف الحاكم بوعوده؟ وهل تنفذ ألمانيا من أزمتها بفضل الإصلاحات القانونية المنتظرة؟

فرح، شابة أردنية وصلت إلى ألمانيا في شهر سبتمبر/أيلول 2017، بعد قبولها بماجستير علوم طبية. قضت فترة الدراسة إلى غاية تخرجها معتمدة على أهلها في تغطية مصاريفها. حصلت على شهادة الماجستير بتفوق في صيف 2020.

بعد محاولات كثيرة لإيجاد فرصة عمل في ألمانيا، حصلت على موافقة مختبر طبي، لكن واجهتها مشكلة بسبب انتهاء صلاحية تصريح العمل المرفق بإقامتها بسبب طول فترة انتظار الموعد في الإدارة المختصة، فتخلى عنها المختبر وبحث عن غيرها.

لم تتح لها فرصة لإيجاد عمل آخر قريب من تخصصها، فاضطرت المهاجرة الأردنية للعمل لدى شركة توصيل. كانت العراقيل الإدارية وعدم تساهل المسؤول عن المختبر سبباً في قبولها عملاً أقل من مؤهلاتها بكثير، إضافة لكونه متعبا للغاية.

حال فرح يشبه حال كثير من المهاجرين الذين قدموا إلى ألمانيا بحثاً عن فرص عمل فيها. فضلا عن كثيرين آخرين يملكون مؤهلات علمية ويسعون للقدوم إلى ألمانيا. لكن تعقيدات بيروقراطية تحول دون ذلك.

تسهيل التجنس له أهداف على المدى البعيد

“نريد بداية جديدة في سياسة الهجرة والاندماج تنطبق على دولة هجرة حديثة”، هذه الجملة وردت في نص اتفاقية الائتلاف الحاكم في ألمانيا. الحكومة الجديدة بقيادة المستشار أولاف شولتس، وعدت بحزمة إصلاحات جديدة في كل المجالات المرتبطة بالهجرة والاندماج والعمل.

من أبرز ما تعد به هذه التعديلات المقبلة: تبسيط الحصول على الجنسية الألمانية. فحسب اتفاق الائتلاف الحكومي، من المقرر أن يتم تعديل قانون الجنسية وجعل اكتسابها ممكنا بعد خمس سنوات أو حتى بعد ثلاث سنوات إذا كانت هناك إنجازات خاصة في مجال الاندماج. والسماح بالجنسية المزدوجة، إضافة إلى حصول الأطفال الذين يولدون في ألمانيا لوالدين أجنيين، على الجنسية مباشرة بعد ولادتهم إذا كان أحد الوالدين مقيماً في ألمانيا بشكل قانوني منذ خمس سنوات، وإلغاء حظر العمل بالنسبة لكل المقيمين في ألمانيا.

دوافع هذه التعديلات حسب حسن حسين، الإعلامي الخبير في مجال الهجرة واللجوء، تتمثل بالخصوص في “قلة الأيدي العاملة المتخصصة ووصول هذا الإشكال إلى ذروته في الكثير من القطاعات الحيوية في ألمانيا، إضافة إلى ما يمكن أن ينتج عن هذا الخصاص من مشاكل أخرى أهمها الركود الاقتصادي وهو ما يحاول السياسيون والسلطات تجنبه في ألمانيا”. 

وكانت إحدى أهم الأفكار لمجابهة المشكل حسب المتحدث، هو “الاعتماد على الأعداد الكبيرة التي دخلت للبلاد من لاجئين، وتحويلهم إلى مهاجرين عمال وربط إقاماتهم بالعمل والتكوين المهني. كل التسهيلات المقررة هدفها الأساسي مد البلد باليد العاملة المتخصصة”، يقول حسين.

التصدي للهجرة غير الشرعية

أما عن الإجراءات القانونية التي تعزز تسهيل الهجرة الشرعية وجعل ألمانيا أكثر جاذبية للمهاجرين، والتصدي للهجرة غير القانونية، إضافة إلى وعود العمل على تسريع إجراءات لم الشمل واللجوء، هي إجراءات ستساهم حسب حسن حسين على المدى البعيد في “غلق الباب أمام الهجرة غير القانونية”.

وبحسب رأي حسين ، فإن ذلك سيتحقق عبر تسهيل الهجرة إلى ألمانيا بالنسبة للأشخاص المتواجدين خارجها والراغبين في القدوم إليها خاصة من أجل العمل، وأيضا استفادة الأشخاص المتواجدين داخل ألمانيا مثل اللاجئين والمهاجرين السابقين من هذه التسهيلات، وغلق الباب أمام تجار البشر والمهربين. 

مثل هذه التغييرات والقوانين، أبانت عن نجاعتها في مناطق أخرى في العالم، مثل “تجربة الولايات المتحدة الأمريكية، وأستراليا، وكندا وبريطانيا، وحتى اليابان صارت تفكر بالسير في نفس الاتجاه” يقول حسن حسين.

مضيفاً أن “هذه الطريقة صارت اليوم معتمدة لإيقاف تدفق المهاجرين غير النظاميين، وإنقاذ أرواح الآلاف من الموت على طرقات الهجرة الخطيرة، سواء عبر البر أو البحر، وتحويل ذلك إلى مسار سلمي للهجرة مفيد لكل الأطراف”، حسب تعبيره.

هل تأخرت ألمانيا للقيام بهذه الإجراءات؟

حسب حسن حسين، الخبير في شؤون الهجرة واللجوء في ألمانيا، فالجواب واضح “ألمانيا تأخرت لعقود في اتخاذ إجراءات علمية ودقيقة في هذا الصدد”. فمنذ تسعينات القرن الماضي، دق الخبراء الألمان ناقوس الخطر، وطالبوا باتخاذ إجراءات لتصبح ألمانيا دولة هجرة مثل دول أخرى سبقتها لذلك. 

“كان الجواب من قبل السياسيين خصوصا المحافظين: الرفض. يقول حسن حسين. وكان السبب في نظره “تكتل اليمين المتطرف الرافض للموضوع، وما يزال الأمر كذلك حالياً بالنسبة للمتطرفين الذين يرفضون هذا التحول مثل حزب البديل من أجل ألمانيا، إنه يرفض الهجرة المنظمة إلى ألمانيا وينادي باستقطاب اليد العاملة من الدول الأوروبية فقط، وهو ما سيمنع حسبه تدفق ثقافات أخرى على البلد خاصة الشرق أوسطية والمسلمة”.

الحفاظ على المندمجين المرفوضين

للاستفادة من اليد العاملة والكفاءات الموجودة في البلد منذ سنوات، تقرر أيضا إجرء تعديلات على قوانين حق الحصول على فرصة الإقامة للحاصلين سابقا على وثيقة “منع الترحيل” ، إضافة إلى إصلاح قانون هجرة الكفاءات إلى ألمانيا وتسهيل وصول المهاجرين إلى سوق العمل الألماني، وتسهيل إجراءات الاعتراف بالشهادات التعليمية والمهنية الأجنبية.

حسب حسن حسين، فحكومة ميركل كما الحكومة الحالية، كانتا واضحتين في هذا المجال وطلبتا تسهيل أمور اندماج اللاجئين منذ موجة اللجوء التي شهدتها البلاد سنة 2015، لكن “هناك موظفين على مستوى البلديات ومكاتب الأجانب في البلد يعرقلون مسار اندماج الأشخاص الجدد في البلد ويرفضون الامتثال للتعليمات، فتصبح المعاملات الإدارية التي تتطلب شهراً فقط في حاجة لسنة أو أكثر لقضائها، وأبرز نموذج عن ذلك هو قضية لم الشمل التي عرقلت اجتماع أسر سورية لسنوات”، حسب الخبير.

تأثيرات إيجابية على الدولة والمجتمع

يرى الخبير حسين أن تحقيق هذه التغييرات الموعودة، سيكون مفيد جدا لألمانيا. فتحويل مسار اللاجئين من اللجوء إلى الهجرة من أجل العمل، سيساعد على سد الثغرات المهولة في سوق الشغل. 

وقد أوضح وزير العمل الألماني هوبرتوس هايل أنه يعمل منذ فترة على إصلاح قانون هجرة الكفاءات إلى ألمانيا وتسهيل وصول المهاجرين إلى سوق العمل الألماني. وقال هايل في تصريحات لمنابر إعلامية ألمانية في الأشهر السابقة، “سنجعل هذا ممكنا للأشخاص الذين يريدون البقاء معنا والعمل بشكل دائم، سنُحدث تغييرا في قواعد التسامح الوظيفي”، مؤكدا ضرورة “إعادة تنظيم” سياسة الهجرة بشكل عام.

كثيرون شككوا في مدى نجاح التغييرات في خلق انعكاس إيجابي فعلي على استغلال الأشخاص في سن العمل ضمن سوق العمل الألماني، خاصة بعد فشل قانون جلب اليد العاملة من الخارج وعدم تحقيقه للمتوقع. 

في هذا الصدد، قال حسن حسين أن عدم تحقيق قانون استقطاب اليد العاملة الماهرة من الخارج الذي تم إصداره عام 2020 النتائج المرجوة، كانت له أسباب. موضحا أن “ألمانيا تضع عراقيل كثيرة أمام كل من يريد العمل وأتى من خارج حدودها. ومن ذلك الاعتراف بالشهادات ومعادلتها، إنها طامة كبرى تعرقل عمل اللاجئين والمهاجرين في ألمانيا. المعايير الألمانية معقدة للغاية لا تساعد أبداً، بل تبطئ في عملية سير الإجراءات الإدارية.

تكاثف الجهود والتعاون

لكن حسب الخبير، فإن هذه الإجراءات التي وصفها بالمتقدمة جداً، ستغير الأمور تماما إذا تم الالتزام بها من قبل البرلمان الاتحادي والسلطات المحلية. يقول “يجب الحرص على تنفيذها لأنه في الكثير من البلديات يتم عرقلة الإصلاحات التي تصب في صالح اندماج اللاجئين والمهاجرين، لأن البعض يظنون أن ذلك لا يصب في مصلحة البلد ويغير من ملامح الخارطة الانتخابية في البلاد”.

 لو تم تنفيذ هذه الإجراءات، “فسوف يتم إنقاذ حياة الآلاف من اللاجئين العالقين الآن في ألمانيا، خاصة منهم من رفضت طلبات لجوئهم ومن حصلوا على منع ترحيل “دولدونغ”، هذه الفئات مهما اندمجت تمنع من العمل أو من حق المواطنة رغم عيشهم سنوات طويلة في ألمانيا” حسب حسن حسين.

ويؤكد المتحدث أن هذه التغييرات ستسهل اندماج أفراد مجتمع المهاجرين واللاجئين، لكن من الضروري أن تتكاثف الجهود، فليست القوانين والساهرين على تنفيذها فقط المفتاح لنجاح العملية بل أيضا اللاجئين والمهاجرين أنفسهم، يجب أن ينخرطوا في العملية بمساعدة المجتمع المدني.


مهاجر نيوز

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية