الصعود المأساوي الهزلي في رواية عياش … قراءة: حسين جرود

حسين جرود
كاتب سوري

اختلاط المأساة بالملهاة في حياتنا، والضعف المقيم الذي يولد معنا، دائمًا ما يجعلنا نتساءل: ماذا يوجد في البلاد العربية غير الذل والتهريج؟ وهل يمكن أن يخرج بطل حقيقي، أم أنها أزمنة لا تسمح بذلك؟

عياش هو البطل في الرواية التي تحمل اسمه، ابن أسرة من الطبقة الوسطى تفرق أفرادها في الأرجاء، يعيش وحيدًا بعد فقده ميراثه في استثمار خاسر، لنرى قصة صعوده العصامي، ابتداءً من العمل في شركة للكيماويات، وصولًا إلى العمل محررًا في جريدة ظهرت بعد الثورة المصرية، ليبدأ مسارًا جديدًا بتعامله مع ضابط الأمن في الجريدة، والإيقاع بزملائه واحدًا واحدًا، ليصبح مديرًا للتحرير.

لا نستطيع ألا نتعاطف مع عياش في رحلة صعوده وانكساره، وهو المتسلق الوصولي الدنيء، ولكنه قبل ذلك الكاتب الموهوب، والشاب الذكي، الباحث عن عمل يرضي طموحه، والراغب بالتغيير قبل أن تتحول مهاراته إلى أداة للإيقاع بغيره، حتى يأتي من يوقع به.

اسم عياش الآتي من العيش والحياة، كأنه يقول لنا أن الحياة هكذا، حتى أن عياش لم يسقط نهائيًا في النهاية، وسيعود من زاوية أخرى ومكان آخر، أما زميله كرم الذي كان يحلم بجائزة الصحافة الاستقصائية، فقد كان من أوائل ضحاياه. 

دون عياش، لا تجود علينا الرواية بالكثير، فلا نعرف هل كان زميله يستحق تلك الجائزة التي يحلم بها، أم هو حالم ساذج؟ ولا نعرف شيئًا عن ماركو الزميل الغامض الذي يفشل عياش في الإيقاع به؟ ولا نعرف حتى من أوقع بعياش بوضوح، فهذا الكائن الذي يعيش في وسط هلامي، يبدو صعوده السريع وسقوطه الأسرع، كأنه وقوع ذبابة في كأس شاي، أو وقوفها على حلوى مكشوفة، ثم إزاحتها. إذن، القصة ستكرر كثيرًا، ولا داعي لإعطائها أكبر من حجمها.

نورا هي البطل الآخر في الرواية، التي يفرد لها الراوي فصولًا باسمها، كلما ظهرت في حياة عياش، حتى تتوثق علاقته بها ويطلب الزواج منها. في النهاية تصبح النقطة العمياء في مجال رؤيته، فحبه لها منعه من توقع لقاءاتها بزميله الغامض ماركو، وأنها من سيرث مكانه في الجريدة، أما كيف حدث ذلك؟ حتى عياش لا يعرف.

صفات عياش الجسدية المترهلة، وجوعه للمال وللجنس والسلطة، تظهره كائنًا مائعًا نائم الضمير، ولكن خارج أوامر اللواء، لم يكن سلوكه بذلك السوء، بل ربما كان يسعى لتهدئة ضميره ما أمكنه، فيطلب الزواج من نورا، ويجد أبًا جديدًا ممثلًا بوالد زميله كرم. إذ يتفاعل عياش مع الجميع في العمل، ولا يترك والد زميله كرم دون مساعدات وزيارات، بل يبدو أن عياش هو ابن آخر جديد لهذا الوالد الذي يطرده في النهاية، بعد اكتشاف أمر تعامل عياش مع الأمن وتقاريره، وأنه سبب موت ابنه الأول.

لغة السارد الساخرة لا تخلو من بعض الرمزية والمرارة، فتصور لنا بيت عياش الذي يدعوه الحفرة، وكواليس الحياة الصحفية، وانبطاحه أمام اللواء الذي يظهر بإصابة عياش بناسور قرب العمود الفقري، يجبره على الانبطاح يوميًا، لتنظيف جرح في مؤخرته.

يتسم السرد بالحميمية، والبساطة، وخفة الظل، واستنباط الحكايات وتوالدها من بعضها، والاسترسال في الحكي، مع المحافظة على انتباه القارئ وفضوله في الوقت نفسه. وتتواتر الحبكة وتسير إلى الأمام باطراد دون وقفات ودون تمهّل يقطع توتر الحكاية. ويلجأ الكاتب إلى بعض ألفاظ الشارع ويستخدمها في الحوار والسرد، كما أنه كتب عدة مشاهد جنسية صريحة. والرواية عمومًا شديدة الواقعية، وإذا أمعنا النظر، نراها -عكس ما تبدو- تهجو الواقع، ولا تكاد تلتفت لعياش.


(عياش، رواية، أحمد مجدي همام، دار الساقي، عدد الصفحات: 210)

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية