وجّهت النيابة العامة في العاصمة النمساوية فيينا، يوم الأربعاء الفائت ، اتهامات بارتكاب جرائم حرب وتعذيب إلى العميد السابق في استخبارات نظام الأسد المخلوع، خالد الحلبي (62 عاماً)، وهو أرفع مسؤول سوري يُتهم في أوروبا بهذه الجرائم حتى الآن، وذلك بعد ملاحقة دامت أكثر من 12 عاماً.

كان الحلبي عميلاً مزدوجاً للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد) في سوريا، وبقي متخفياً في أوروبا لأكثر من عقد تحت حماية عناصر من الموساد والاستخبارات النمساوية، قبل أن يعتقل في كانون الأول 2024، وذلك بعد أن تمكّن المحققون من الاستدلال إليه من خلال صورة نشرها الحلبي لنفسه على مواقع التواصل الاجتماعي وهو على جسر في مدينة بودابست.
الهروب والتخفي في أوروبا
تمكن الحلبي من التهرب من محققي جرائم الحرب لأكثر من عقد، مختبئًا في شقق بباريس وفيينا، محميًا من أعضاء على الأقل من وكالتين استخباريتين غربيّتين. ومع إسقاط النظام البائد وفرار بشار أسد إلى موسكو العام الماضي، أصبح محاسبة مسؤولي النظام السابق أكثر إلحاحًا، إلا أن تحديات العدالة الدولية جعلت الطريق شاقاً.
العميل المزدوج ومساره الوظيفي
كان الحلبي من الطائفة الدرزية في سوريا وضابطًا مهنيًا من السويداء، وانضم لجهاز المخابرات عام 2001، وتولى قيادة فرع الأمن 335 في الرقة عام 2008. مع بداية التظاهرات عام 2011، تولت فرق الأمن اعتقال واستجواب النشطاء، وركزوا على ملاحقة منظمي الاحتجاجات ونقل الفيديوهات إلى الإعلام الدولي، بينما أصبحت وسائل التعذيب روتينية لاستخراج المعلومات.
شهادات الناجين
أبلغ العديد من الضحايا عن ضرب مبرح وصدمات كهربائية داخل فرع الأمن 335، بما في ذلك جلسات تعذيب طويلة داخل مكتب الحلبي.

- الدكتور عبادة الحمادة، 39 عامًا، طبيب قال إنه ساعد في تنظيم الاحتجاجات وأدار عيادة سرية لعلاج المصابين، ذكر أنه اعتقل في فبراير 2012 بالتهديد بالسلاح. لم يرَ الحلبي أثناء اعتقاله، لكنه تعرف على اسمه من لوحة المكتب، ورأى أبو ركبة، رئيس التحقيقات الجنائية في فرع الأمن الجنائي بالرقة.
- قال الدكتور عبادة: “خطأ جلّادي كان إزالة عصابة عينيّ. ليلة كاملة، وكنت شبه عارٍ، تعرضت للضرب في مكتب الحلبي. انحنيت على الأرض أحمي رأسي بذراعي، بينما كان أبو ركبة يجلدني بالعصا أو الخرطوم، مطالبًا بأسماء النشطاء.”
- على مدى 28 يومًا، تعرض الاعتقال والاستجواب المتكرر، وعُرض عليه صفقة إذا أخبر عن آخرين. أبلغ المحققين النمساويين أنه مستعد للإدلاء بشهادته ضد الحلبي.
- المحامي أسعد الموسى، 46 عامًا، قال إنه اعتقل مرتين من قبل فرع الحلبي عام 2011، وتعرض لاحقًا لتعذيب شديد في مركز المخابرات العسكرية عام 2012.
- الموسى أسس في صيف 2011 لجنة محامين للدفاع عن سجناء الانتفاضة، ونظم إضرابًا لأكثر من 100 محامٍ احتجاجًا على استخدام الحكومة القوة المميتة ضدهم. تعرض حينها للاعتقال 12 يومًا في سجن تابع لفرع الأمن، قبل أن يهرب من سوريا ويصل إلى أوروبا في 2015، حيث واجه أبو ركبة في مخيم للاجئين بالنمسا، لكنه لم يتمكن من المواجهة مباشرة خوفًا من الترحيل.
الطريق إلى العدالة
عندما بدأ الوضع العسكري في الشمال يتغير مع تقدم فصائل المعارضة عام 2013، سارع الحلبي إلى الهروب، وعبر إلى تركيا ثم الأردن، قبل أن يصل إلى باريس حيث اعتُبر آنذاك منشقاً يمكنه المساعدة في توثيق جرائم النظام.
في يناير 2016، قدم المحققون من لجنة العدالة والمساءلة الدولية نتائجهم للسلطات النمساوية، لتكتشف لاحقًا تورط جهاز المخابرات النمساوي في حمايته بالتنسيق مع الموساد.
وفي أبريل 2023، مثل خمسة مسؤولين نمساويين سابقين أمام المحكمة بتهمة استغلال مناصبهم لترتيب لجوء الحلبي بمساعدة الموساد.
قال الموسى: “الحكومة النمساوية وجهاز المخابرات ساعدوا الموساد ومجرمي الحرب، وهذا أسوأ مستوى من الإجرام.”

أهمية القضية
تعد هذه القضية أول اتهام في النمسا لمسؤولين سوريين سابقين، وتشكل علامة فارقة في مسار محاسبة مرتكبي الجرائم خلال الثورة السورية، وتسلط الضوء على تعقيدات العدالة الدولية وصعوبة ملاحقة العملاء والمجرمين الذين اختبأوا لعقود تحت حماية أجهزة استخبارات غربية.





ماهر حمصي