حذر رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، باولو سيرجيو بينهيرو، من أن الانتهاكات الخطيرة ما زالت تتكرر في البلاد رغم التغيرات السياسية الجارية، داعيًا إلى مساءلة الجناة وحماية المدنيين، في إحاطة أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في دورته الستين.
وقال بينهيرو إن سوريا، التي عاشت عقودًا من الحكم الديكتاتوري، شهدت قبل تسعة أشهر موجة جديدة من الآمال بالسلام والعدالة. وأضاف أن زيارته الأخيرة إلى دمشق أظهرت أن هذه الآمال لا تزال حاضرة، لكن العنف ضد المدنيين في بعض المناطق يثير قلقًا بالغًا.
وفي دمشق، التقى بينهيرو بمسؤولين في الحكومة المؤقتة لمناقشة سبل تعزيز حماية حقوق الإنسان من خلال التحول السياسي والمؤسسي الجاري. وأكد خلال الاجتماعات أن جميع الضحايا يستحقون العدالة، بغض النظر عن هوية مرتكبي الجرائم. كما شدد على أهمية الاستفادة من خبرات منظمات حقوق الإنسان والمدافعين عن الحقوق في سوريا لدعم الناجين وبناء دولة تحترم حقوق جميع المواطنين.
وأشار بينهيرو إلى أن وزير العدل أكد أن الاعتقالات تتم تحت إشراف قضائي، وأن المعتقلين يتمتعون بحق الاتصال بأسرهم ومحاميهم. وأكد رئيس اللجنة على توصيته الطويلة الأمد بوقف تنفيذ عقوبة الإعدام، تمهيدًا لإلغائها.
كما التقى بينهيرو بالهيئة الوطنية للأشخاص المفقودين وأعضاء هيئة العدالة الانتقالية، مؤكدًا على ضرورة مشاركة الأسر التي تبحث عن أحبائها المفقودين، ليس فقط كمستفيدين، بل كمشاركين نشطين، مع الاستفادة من تجارب مشابهة في المنطقة وخارجها.
وأوضح بينهيرو أن مستقبل سوريا يعتمد على دمج جميع مناطقها ومجتمعاتها المتنوعة ضمن دولة موحدة وآمنة تحترم الحقوق، مشددًا على أن ذلك يتطلب بيئة سياسية وأمنية مستقرة لمعالجة الأسباب الجذرية للانتهاكات، وبناء حكم مسؤول وشفاف، وضمان عدم التكرار.
وأكد رئيس اللجنة أن حالة حقوق الإنسان في سوريا لا تزال متردية، رغم التحسن مقارنة بعهد أسد ، وأن التطورات الأخيرة منذ إحاطته الأخيرة في يونيو زادت معاناة المدنيين.
وأشار إلى تقرير اللجنة الأخير الذي وثق هجمات على الطائفة العلوية منذ يناير 2025، والتي بلغت ذروتها بقتل أكثر من 1,400 شخص في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة خلال أيام قليلة في مارس، بما في ذلك على يد أفراد من قوات الأمن التابعة للحكومة المؤقتة. وقال إن هذه الأفعال قد ترتقي إلى جرائم حرب، داعيًا السلطات إلى حماية الضحايا ومحاسبة الجناة وتعويض المتضررين.
وأضاف أن اللجنة تتابع التقارير عن استمرار عمليات القتل والاعتقالات التعسفية لأفراد الطائفة العلوية، بالإضافة إلى مصادرة ممتلكات الفارين من أعمال العنف، وأعمال مماثلة في مناطق أخرى، بما في ذلك طرد سكان علويين في ضاحية السومرية بدمشق في أغسطس، مع تقارير عن اختطاف المدنيين وضربهم وإهانات طائفية.
وحذر بينهيرو من أن عدم توافق الرؤى بشأن مستقبل سوريا قد يؤدي إلى تفتيت البلاد، وتجمد جهود توطيد الدولة، وربما إعادة البلاد إلى صراع طويل، مشيرًا إلى دور خطابات الكراهية والتحريض على العنف في استمرار الانتهاكات.
وفي منتصف يوليو، شهدت السويداء جولة عنف بين الدروز والبدو، ما أدى إلى نزوح نحو 200 ألف مدني. وأكد بينهيرو أن مئات الأشخاص قُتلوا أو جرحوا، وفق معلومات أولية، وأن مقاطع فيديو موثقة أظهرت رجالاً دروزًا يتعرضون للإعدام بإجراءات موجزة ومعاملة مهينة، كما تعرضت مجتمعات بدوية لانتهاكات جسيمة.
وأشار إلى أن لجنة تم تعيينها من قبل وزارة العدل تحقق في الانتهاكات الجسيمة، بما في ذلك الفظائع في المناطق الساحلية في مارس، وأن بعض أفراد قوات الأمن قد اعتقلوا على أساس أدلة فيديو، مؤكدة استقلاليتها ونواياها للتحقيق بموضوعية.
وأوضح أن الاشتباكات أدت إلى تدخل أطراف أخرى، بما فيها قوات قبلية من مناطق مختلفة، مما يعكس هشاشة الوضع الأمني في سوريا، مضيفًا أن إسرائيل واصلت غاراتها الجوية على دمشق وحمص واللاذقية وتدمر، مسببة دمارًا وخسائر بشرية،واحتلت المزيد من الأراضي الواقعة خارج الخط الفاصل لعام 1974، وشرّدت قسراً المدنيين المقيمين هناك، واعتقلت تعسفياً مواطنين سوريين خلال عمليات برية وفقاً للتقارير الواردة. وتؤدي هذه الأعمال إلى مزيد من زعزعة الاستقرار في مناطق تعاني من انعدام الأمن الشديد، ويجب أن تتوقف على الفور.
وأكد بينهيرو أن شمال شرق سوريا يشهد توترات مستمرة، حيث تعثرت جهود تنفيذ اتفاق 10 مارس مع القوات الديمقراطية السورية، وأن الوضع الهش مهدد بسبب استمرار الاحتجاز للآلاف من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية، داعيًا إلى تكثيف جهود خفض التصعيد والحوار.
وأفاد بينهيرو أن أكثر من 220 ألف شخص نزحوا داخليًا حديثًا، وأن العديد من النساء تعرضن للعنف الجنسي أو الزواج القسري، بما في ذلك النساء العلويات والدرزيات ، مطالبًا السلطات باتخاذ إجراءات عاجلة للتحقيق وحماية المدنيين.
وفي الجانب الإيجابي، أشار بينهيرو إلى عودة نحو مليون لاجئ سوري ومليوني نازح منذ 8 ديسمبر، ورحب بتخفيف العقوبات الأمريكية والأوروبية، ما يفتح الباب لإعادة إعمار ضرورية، مع التأكيد على استمرار الاحتياجات الإنسانية الملحة لـ16 مليون شخص، وقد تلقت وكالات الإغاثة 18% فقط من النداء الإنساني لعام 2025.
وختم بينهيرو حديثه بالقول إن الشعب السوري يطالب بالعدالة والسلام الحقيقي، داعيًا الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لدعم تطلعاتهم ومساعدة السلطات المؤقتة في بناء مستقبل قائم على الحقوق والمساءلة والاندماج.