في خضم عدوان الاحتلال الاسرائيلي قصفا وتجويعا على غزة، ومع بدء العملية البرية في دير البلح، تفتح المؤسسة الأمنية الإسرائيلية نافذة جديدة للقلق: الحدود السورية. موقع “واللا” العبري نشر صباح الثلاثاء (22 تموز/يوليو) تقريرًا يكشف عن استعدادات غير مسبوقة في الشمال، تحسبًا لما وصفه بـ”سيناريو رعب يشبه 7 أكتوبر”.
يشير التقرير إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستعد لسيناريو هجوم مشابه لهجمات 7 أكتوبر، حيث يتوقع أن تشارك فيه “عناصر جهاد عالمي وبدو” يسعون لاستهداف المستوطنات الحدودية في هضبة الجولان المحتل.
لكن هذه الفرضية المزعومة ، رغم خطورتها المعلنة، تفتقر إلى أدلة ميدانية واضحة تُثبت وجود مثل هذا التهديد القريب، ما يطرح تساؤلات حول مدى واقعية هذه السيناريوهات ومدى استغلالها لتبرير إجراءات عسكرية محتملة.
ويتعمق التقرير في وصف الاستعدادات العسكرية التي تشمل تدريب وحدات مختلفة، منها الفرقة 210، ووحدات الحماية والتدخل السريع التي تم تأسيسها خلال الحرب، بهدف التصدي لمحاولات اقتحام المستوطنات الحدودية. كما يشير إلى وجود 1100 مقاتل مسلحين تجهيزًا شاملاً، بالإضافة إلى وحدة تدخل سريع مكونة من نحو 100 مقاتل من أبناء الجولان، يتمتعون بمعرفة جغرافية دقيقة وقدرات قتالية عالية، بالإضافة إلى استخدام الطائرات المسيرة.
هنا يظهر بوضوح محاولة رسم صورة لقوة عسكرية متطورة ومتأهبة، لكن هذه الصورة قد تكون في جانب منها “مسرحية” أمنية تهدف إلى تضخيم التهديدات الأمنية بهدف تهيئة الرأي العام الإسرائيلي والدولي لشرعنة توغلات عسكرية محتملة داخل الأراضي السورية.
التقرير يؤكد كذلك على تكثيف نشاط شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) ووحدة تشغيل العملاء (504)، بما في ذلك اعتقالات في قرى سورية تم الكشف عن بعضها إعلاميًا.
ويُقال إن سلسلة هذه الاعتقالات ساعدت في بناء صورة أوضح للبنى التحتية للمنظمات المسلحة، وهو ما يمكن اعتباره محاولة لتبرير عمليات عسكرية مستقبلية عبر وصفها بأنها استجابة لأفعال معادية ملموسة، رغم غموض هذه العمليات ومحدودية التحقق منها.
يركز التقرير أيضاً على إجراءات دفاعية متقدمة، مثل إقامة حاجز شرقي يمنع عبور المركبات، وأقنية وخنادق، إلى جانب خط من الصواريخ، استعدادًا لمواجهة أي محاولة تسلل، حتى عبر طائرات شراعية بمحركات (باراموتور). هذه الإجراءات، رغم حداثتها، قد تعكس بالأساس توظيف الخوف الأمني لصنع بيئة ملائمة لأي تصعيد عسكري دون مبرر واضح وشفاف.
علاوة على ذلك، توظف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التوترات الطائفية في الجنوب السوري، ولا سيما التداخل الدرزي بين الجولان المحتل والسويداء، في محاولة لاستغلالها كجزء من مبررات أمنية جديدة تعوض تآكل الذرائع التقليدية.
الإشارة إلى الاحتجاجات الدرزية الأخيرة وعبور بعض الدروز الإسرائيليين إلى سوريا لمساعدة عائلاتهم في معارك السويداء ضد البدو توظف لإضفاء طابع “تهديد داخلي” على المشهد الأمني، مع تأكيد الضابط أن “في المرة القادمة، سيتم تنظيم المنطقة بشكل أفضل وإغلاق كل الطرق الممكنة لتفادي أي سيناريو ينفجر في وجوههم.”
هذا الخطاب يعكس سياسة واضحة لصناعة تهديدات “مفبركة” تُستخدم لتبرير سياسة توغل أو عدوان، في وقت تشهد فيه الضغوط الدولية تزايدًا على إسرائيل بسبب أحداث غزة.
بناء هذه السردية الأمنية المكثفة، التي تدمج تحضيرات ميدانية حقيقية مع تهويلات غير مثبتة، يعكس استراتيجية ممنهجة لإضفاء الشرعية على تصرفات يمكن أن تثير إدانات واسعة.
باختصار، كل هذا الحراك الميداني المعلن والترويج الإعلامي المرافق، هو محاولة إسرائيلية لتأمين ذريعة مسبقة لأي توغل عسكري محتمل في سوريا، مبني على مخاطر تم نسجها أو تضخيمها، في ظل غياب أدلة ميدانية قاطعة.