لم أجد مديحا – وليس رثاء لشهيد – كما مُدح عبد الباسط الساروت، وأحسب إنني أول من أطلق عليه لقب “حارس الكرامة” في مقال في القدس العربي، وهو وصف يتبادر إلى الخواطر، والحوافر تقع على الحوافر، وكان المرمى السوري مكسور العوارض، مفتوحا، والحكم هو العدو. والأسباب هي أنه اجتمع للساروت ما لم يجتمع لغيره من الشهداء فقد جمع بين البداوة الأصيلة والحضارة الحديثة، ونضارة الشباب وحكمة الكهول، بين الرياضة وقد غدت كرة القدم ليلى، وكل شاب قيس، وبين النشيد والحِداء، واجتمع له سبق الثورة والجهر بها، وهو من عاصمتها، ومن مدينة خالد بن الوليد. ومن العجيب أنه شبّه بالنيكوتين جيفارا، وتاريخنا فيه آلاف الشهداء وأولى بالتشبيه، وهو سابع سبعة من شهداء أهل بيته، ربما ثامنهم أو تاسعهم.. وهو إلى ذلك شاب لم يطر شاربه، له ذؤابة، ونمت له في سنين الثورة جدائل وغدائر وأنهار. واجتهد خصومه في البحث له عن عيوب، فكان كمثل الجاهل بالإملاء الذي يجهل أين تكتب الهمزة، تحت ألف الأربعاء أو فوقها فطلب تأخير الاجتماع إلى الخميس.
لما قُتل عبد الله بن عمرو بن حرام يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جابر ألا أخبرك ما قال الله عز وجل لأبيك؟ قلت: بلى. قال: ما كلم الله أحداً إلا من وراء حجاب، وكلّم أباك كفاحا، فقال: يا عبدي تمنّ عليّ أعطك. قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية! قال: إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون. قال: يا رب فأبلغ من ورائي، فأنزل الله عز وجل هذه الآية (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).
فكأنما قال ما قال الشاعر:
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد
لنفسي حياة مثل أن أتقدما.
عاد الساروت إلى الوطن، فهناك الوطن.