شهدت الغوطة الشرقية المُحاصرة بريف دمشق من قبل نظام بشار الأسد وحلفائه، أكبر موجة نزوح جماعي، في وقت دخلت فيه الثورة السورية عامها الثامن، وأضحى البلد الممزق مختلفاً عما كان عليه سابقاً، حيث يسود اليأس على المدنيين، ويفقد النظام سيطرته الفعلية على البلد.
Journalist
The Guardian
[/ult_ihover_item][/ult_ihover]
وكان الفارون من جحيم العيش في الغوطة الشرقية قد خرجوا خلال اليومين الماضيين، وبدوا خائفين، وجائعين، ويفتقدون الأمل في رحلتهم المجهولة، فقد تجاوزوا فيها الشرطة العسكرية الروسية، واتجهوا نحو الجنود الموالين للنظام الذين بدأوا في مراجعة هُويّاتهم.
صحيفة “الغارديان” البريطانية قالت في مقال نشرته الخميس 15 مارس 2018، إن هذا النزوح مثّل بداية النهاية في الغوطة الشرقية، مشيرةً أن ما حصل ليس المرة الأولى التي يمارس فيها النازحون هذه الطقوس المشوبة بالهلع، لكنَّها حدثت من قبل في كلٍ من حمص، وحلب، والقصير، ومناطق أخرى كثيرة في سوريا، حيثُ بدأت منذ سبع سنوات الأحداث الأولى للثورة السورية في إثارة قلق الطغاة الذي يحكمون البلد.
ومع دخول الاحتجاجات في سوريا عامها الثامن، قالت الصحيفة إن الاستسلام حل محل التطلعات والآمال، فيما ابتلع الخوف الأمل.
ورأت “الغارديان” أن التحولات التي عاشتها سوريا خلال السنوات الماضية، أفضت في النهاية إلى أن الدولة السورية لم تعد كما في الماضي، وأنها تحوّلت إلى مجرد ظل لما كانت عليه عندما تحولت المعارضة الشعبية إلى تمردٍ مسلح.
وحتى نظام الأسد نفسه لم يكن قادراً على الصمود لولا استعانته بروسيا وإيران للدفاع عنه، وقد تمكنت هاتان الدولتان من دفع جيش الأسد إلى تحقيق مكاسب ميدانية، مدمرين في الوقت نفسه أغلب مناطق البلاد، وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن طهران وموسكو تحركتا في بعض الأحيان داخل سوريا دون الرجوع للأسد نفسه.
واعتبرت الصحيفة أن ادعاء بشار الأسد استعادة سيادته على سوريا يجعله كالإمبراطور الذي تُروى قصته في مثل شهير، والذي خدعه الخيَّاطون ووعدوه بملابس جديدة خفية، لا يراها من لا يستحقون مناصبهم ولا يتمتعون بالكفاءة، ليخرج بعدها عارياً أمام شعبه دون ملابس على الإطلاق.
وفي ذات الوقت، أصبحت المعارضة السورية منقسمة ومحطمة، ولم يعد يمكنها الفوز بالحرب.
وتحدثت الصحيفة البريطانية عن أن خطوط المواجهة تغيرت مرات عدة في أنحاء سوريا، من خلال انتشار الحرب إلى مناطق أخرى في الدولة، كما لم ينتشر أي صراع على مدار الأعوام الخمسين الماضية.
وازداد الوضع تعقيداً في سوريا عندما شاركت أطراف عديدة بقوة في الصراع، فهناك جيشٌ نظامي، و”جيشٌ حر” تابع للمعارضة، وجهاديون، ووكلاء، وقوى إقليمية وعالمية، وكلُ طرفٍ منهم كان يسعى لتشكيل الصراع ليخدم مصالحه.
وقالت “الغارديان” إن أياً يكن من سيسيطر على ما تبقى من سوريا، فإنَّه سيكون قد حقَّق نصراً فارغاً، وأضافت أن استمرار تعريض المدنيين للقصف والوحشية والقتل والتشريد، جعل النظام العالمي – الذي كان يُفترض به أن يمنع تكرار الدمار الذي حدث في القرن الماضي – يبدو مشلولاً وعاجزاً.
وقد قُتل حتى الآن في سوريا أكثر من 500 ألف شخص خلال الأعوام السبع الماضية، ولا تبدو لهذه الحرب نهايةٌ في الأفق، وفقاً لـ”الغارديان”.
ومع استمرار الحرب تحولت قرى ومدن عديدة إلى أنقاض. وتمزقت فكرة التعايش، وحُرِم جيلٌ كامل من الأطفال من الحق في التعليم، وأصبح نصف السكان على الأقل يعتمدون على المساعدات.
وتُطرح التساؤلات عن كيفية لم شتات سوريا مرةً أخرى، إلا أنه يمكن فعل أي شيء بينما يخشى ثُلثا سكان البلد العودة إلى ديارهم، وتقول “الغارديان” إن “حقيقة نزوح أكثر من 6500 شخص جديد كل يوم خلال العام الماضي تُكذِّب مزاعم اقتراب الحرب من نهايتها”.
وأضحى القتال في سوريا صراعاً مستعصياً على القوة والنفوذ الإقليميين، وأدى إلى صدامٍ مباشر بين القوات المدعومة من روسيا والجيش الأميركي للمرة الأولى منذ الحرب الباردة، فضلاً عن اندلاع اشتباكات بين إيران وإسرائيل، وسوريا وإسرائيل، وتركيا والأكراد.
ويبدو أنَّ كبح جماح القوات التي أُطلِقَ لها العنان يَزداد صعوبةً. ويبدو أيضاً أنَّ كل أصحاب المصالح يرفضون النظر لما هو أبعد من مصالحهم الخاصة وإدراك الخطر القادم.
ولا يعني أيٌ من ذلك شيئاً بالنسبة لآلاف السوريين الذين تركوا الغوطة الشرقية أول أمس الخميس وعبروا إلى المجهول. حيث يخشى كثيرٌ منهم عقاب دولةٍ ظلت معادية لهم بوضوح خلال السنوات الخمس الماضية من الحصار والقصف.
ويخشى آخرون حتى من مصيرٍ أسوأ: انتقام نظامٍ اعتاد سياسة الإفلات من العقاب، التي شرَّعها نظامٌ دولي لم يفعل سوى القليل لإيقافه.
وحطمت الحرب السورية التي لا تحدها قيود حتى الآن كل المحادثات الهادفة للتهدئة والمصالحة، وتبقى المظالم بين المهزومين والمنتصرين كذلك عميقةً ولا يحاول أحد معالجتها.
وأشارت “الغارديان” إلى أن السؤال بشأن لم شتات سوريا مرةً أخرى ليس أولويةً بالنسبة لأولئك الذين لا يزالون يُوارون أطفالهم، أو ينصبون خياماً جديدة في أرضٍ غريبةٍ عليهم. ولا يعني كذلك شيئاً لأولئك الذين يقاتلون في حروبٍ جديدة على أرضٍ منكوبةٍ بالفعل.
ونقلت الصحيفة عن محمد عطوان من محافظة حمص السورية الذي لجأ للعيش في إدلب قوله: “بشار الأسد قال في 2012 إنَّه في حالة استمرار الحرب قد لا يكون هناك سلام بدءاً من المحيط الهادئ وحتى الأطلنطي. لقد كان تهديداً. وأصبح حقيقة”.