هراوات، صواعق كهربائية وأدوات صلبة من جميع الأشكال والأنواع، هي ترسانة هائلة من الأسلحة والأدوات المستخدمة لتعذيب السجناء في حوالي ثلاثين سجناً في حكومة الأسد. “هل تعرف ما يحدث هنا؟” هو اسم الوثائقي، الذي رصد تلك الجرائم ونشره مؤخراً المركز السوري للعدالة والمساءلة (SJAC) ومقره واشنطن. من خلال التحدث إلى الناجين من التعذيب، تم الكشف عن أساليب التعذيب المستخدمة في سجون سوريا وعن أن “استخدام الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي أمر معتاد داخلها”.
التعذيب الجنسي بكافة أشكاله
المشرفون على الفيلم الوثائقي قاموا بتحليل 91 مقابلة مع الناجين من التعذيب وخلصوا إلى نتيجة مفادها أن “56 من هذه المقابلات تضمنت إشارات إلى العنف الجنسي والجنساني – وخاصة الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، وتعذيب الأعضاء التناسلية وعدم الحصول على الرعاية ضد أمراض النساء أثناء فترة الاحتجاز. المشاركون في مقابلات الفيلم الوثائقي هم من الفتيان والفتيات والرجال والنساء الناجون، الذين تعرضوا للتعذيب داخل ثلاثين سجناً في سوريا، من الفترة ما بين 2012 إلى الوقت الحاضر”.
من الممارسات الأخرى الشائعة داخل سجون الأسد، أشار الفيلم الوثائقي إلى التفتيش الجسدي، والذي يحدث غالباً في حضور العديد من الضباط، غالبيتهم من الجنس الآخر. ويكون التفتيش مصحوباً بإهانات ولمسات عنيفة، وتهديد بالعنف الجنسي، وتعذيب للأعضاء التناسلية، فضلاً عن الإقامة في ظروف غير إنسانية داخل زنزانات مكتظة بشكل كبير.لا توجد حدود لخيال الجلادين، كما جاء في شهادة إحدى الناجيات والتي قالت أنه تم تعليقها من ثدييها. وتحدثت ناجيات أخريات عن تعرضهن للاغتصاب من قبل العديد من الحراس – وأحياناً بحضور أقاربهن المشتبه في معارضتهم للنظام. الحالات الموثقة تكشف عن استخدام “ممنهج وواسع للعنف”.
عنف ممنهج ؟
هانا غريغ، من المشرفين على تقرير المركز السوري للعدالة والمساءلة (SJAC)، قالت في مقابلة مع DWإنه من المثير للدهشة مدى تطابق شهادات الناجين من التعذيب في الفيلم الوثائقي مع الشهادات، التي جمعها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من خلال 454 مقابلة حول العنف الجنسي والجنساني داخل سجون الدولة السورية. وأضافت غريغ أن من النتائج المخيفة هو أن العنف يستخدم بشكل منهجي، وقالت :”عندما يقرأ المرء إحدى هذه القصص لأول مرة، تبدو فظيعة، ولكن عندما يقرأ المرء القصة تلو الأخرى، يرى أن العديد من الحالات تتكرر بشكل منتظم وأن المحتجزين يتعرضون إلى عنف ممنهج”.
ترى غريغ أن الإشارة إلى العنف القائم على النوع الاجتماعي، مسألة مهمة. هذا العنف ترك أثراً في نفوس الناجين وعانوا من آثاره لسنوات بعد عودتهم إلى بيئتهم، من دون التمكن من الحديث عن تجاربهم في أحيان كثيرة. ثقافة العار هذه تعيق جهود إعادة التأهيل والعدالة التصالحية. ويأمل المركز السوري للعدالة والمساءلة (SJAC) أن تساعد الشهادات الموثقة في تحديد هوية الجناة ومقاضاتهم. ومع ذلك، يبدو لحد الآن أن هذا الأمر صعب، لأن سوريا ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية. إضافة إلى ذلك، تم حظر المحاولات السابقة للاستئناف أمام المحكمة في مجلس الأمن. لهذا السبب تحاول بعض الدول الأوروبية في السنوات الأخيرة ملاحقة الجناة على الأراضي الأوروبية. لكن احتمال تقديم مسؤولين سوريين رفيعي المستوى إلى العدالة، ضئيل.
في عام 2017، رفعت مجموعة من اللاجئين السوريين في ألمانيا دعوى قضائية ضد العديد من الضباط السوريين رفيعي المستوى. وفي عام 2018، أصدر المدعي العام الألماني على مذكرة توقيف دولية في حق رئيس المخابرات الجوية السورية جميل حسن بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
أولى الاجراءات القضائية في ألمانيا
المحاكمة في ألمانيا تطال أيضاً الأعضاء السابقين في المخابرات السورية. في منتصف فبراير/ شباط ، تم اعتقال اثنين من عملاء المخابرات السابقين في ولاية راينلاند- بفالتس وبرلين. ويتهم مكتب المدعي العام الفيدرالي السوريين البالغين من العمر 42 و 56 عاماً بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. أحد المتهمين، ويُدعى أنور ر. ، متورط في التعذيب والإيذاء البدني بين أواخر أبريل/ نيسان عام 2011 وأوائل سبتمبر/ أيلول عام 2012. والمتهم الآخر، إياد أ. ، متهم بالمساعدة في قتل شخصين في الفترة بين أوائل يوليو/ تموز عام 2011 ومنتصف يناير/ كانون الثاني عام 2012، وكذلك بتهمة التعذيب والإيذاء البدني لما لا يقل عن ألفي شخص.
تصدر من وقت لآخر تقارير تتحدث عن أعمال عنف جنسي ارتكبت من قبل سياسيين آخرين في سوريا. لكن لا يستطيع المركز السوري للعدالة والمساءلة (SJAC) إثباتها، بسبب ضيق دائرة تحرياته. لكن أبلغ المركز في أفلام وثائقية سابقة عن الاغتصاب على أيدي جماعات المعارضة – بما في ذلك تنظيم “الدولة الإسلامية”. وقالت هانا غريغ، أن أحدث تقرير تحدث عن “نسبة ضئيلة” للعنف الجنسي في جميع أنحاء منطقة الحرب.