أملاك الغائبين في سوريا على خطى القانون الإسرائيلي لـ : علي العائد

أملاك الغائبين في سوريا على خطى القانون الإسرائيلي

[ult_ihover thumb_height_width=”180″][ult_ihover_item title=”علي العائد” thumb_img=”id^57848|url^https://ebd3.net/wp-content/uploads/2017/11/علي-العائد.jpg|caption^null|alt^null|title^علي العائد|description^null” hover_effect=”effect13″ title_font_color=”#2cd3b4″ desc_font_color=”#2cd3b4″ block_border_size=”1″ title_responsive_font_size=”desktop:22px;” title_responsive_line_height=”desktop:28px;” desc_responsive_font_size=”desktop:12px;” desc_responsive_line_height=”desktop:18px;”]كاتب سوري[/ult_ihover_item][/ult_ihover]
فوضى الإدارة أو فقدانها في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام السوري، مع نزوح ولجوء الكثير من أصحاب الأراضي، ستخلق مشكلة شبيهة بحالة ‘أملاك الغائبين’ عند إسرائيل، حتى لو لم يكن صاحب الأملاك عدوا لحالة السيطرة الكردية.

في “قانون الغائبين الإسرائيلي”، “الغائب هو من كان مواطنا فلسطينيا غادر مكان إقامته المعتاد في فلسطين إلى مكان خارج فلسطين قبل الأول من سبتمبر 1948، أو إلى مكان في فلسطين كانت تسيطر عليه في ذلك الوقت قوات سعت إلى منع إقامة دولة إسرائيل، أو حاربتها بعد إقامتها”.

ووفقا للموسوعة الفلسطينية، فالقانون صدر سنة 1950 تتويجا لسلسلة من الإجراءات والقرارات الصادرة منذ سنة 1948 من جهة، وهو من جهة أخرى الأساس الذي استندت إليه السلطات الإسرائيلية في مصادرة جزء كبير من الأراضي العربية في فلسطين المحتلة. ويمثل القانون خرقا رسميا صريحا لنص قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947، ليبلور بصورة نهائية الموقف الإسرائيلي المعارض لعودة الفلسطينيين إلى ديارهم خلافا لما قضت به قرارات الأمم المتحدة.

الآن، قد تكون الأجهزة الإدارية والاستخباراتية، في “الإدارة الذاتية”، الكردية في جوهرها، في الجزيرة السورية، ومناطق مصنفة حسب هذه الإدارة بأنها تنتمي إلى “غرب كردستان”، وبحماية من الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي، أي “وحدات حماية الشعب الكردية”، قد تكون هذه الأجهزة شرعت في تطبيق قانون غير مكتوب، أو لا توجد وثائق تثبته أو تنفيه، بحيث يبدو في هذه المرحلة تصرفا ارتجاليا من أفراد مدنيين أكراد غير مسيسين، أو مسيسين وموجهين من مخططي سياسات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، أو هم من “الأمنيين” الأكراد الناشطين للتضييق على المشكوك فيهم من المدنيين بالارتباط بداعش، كون كل عربي متهم بالدعشنة، في تواطؤ من الحزب الكردي مع مفهوم عامي متفش بين الأكراد السوريين.

هذه الحالة ليست بعيدة عن حالة “التكبير” التي كان يقوم بها داعش في الرقة وغيرها، حين يكتب أي عنصر من داعش “الله أكبر” على باب بيت ليصبح البيت تحت تصرفه أو ملكه مؤقتا على الأقل، حتى في الحالات التي لم يكن فيها صاحب البيت قد هرب من المدينة فارا من بطش التنظيم. فهنالك من اضطر للسفر لأيام، في زيارة أو للاستشفاء أو لأي سبب قاهر، وحين عاد وجد أن داعش قد “كبَّر” على بيته.

والغائبون على خطى القانون الإسرائيلي، هم أصحاب الأملاك المعارضون للنظام الأسدي. أما عند الأكراد فهم المعارضون له الآن، أو المتهمون بالدعشنة على عموم التهمة، وبادعاءات أخرى غدا، خاصة بعد أن توزع شتات الكثير من أبناء الجزيرة والرقة في أصقاع الأرض.

والواقع أن إسرائيل لا تزال تجد مقاومة من الفلسطينيين الذين أنشأوا مبكرا مؤسسات توثق ملكية أصحاب البيوت والأراضي الذين خرجوا من ديارهم هربا من الموت على أمل أن يعودوا إليها بعد أيام. كما يحتفظ الآلاف من الفلسطينيين بمفاتيح بيوتهم، كحالة رمزية على الأقل. رمزية تبدأ من أن تلك المفاتيح لن تجد أقفالها في البيوت العتيقة التي هدم أغلبها المحتلون الصهاينة، زائدا حالات نزوح ولجوء امتدت العشرات من السنوات، فأنتجت قبور جيلين، أو ثلاثة أجيال. والمكان الذي فيه قبور في المخيال والعرف الشرقيين تنشأ فيه جذور للأبناء والأحفاد.

الغائبون على خطى القانون الإسرائيلي، هم أصحاب الأملاك المعارضون للنظام الأسدي. أما عند الأكراد فهم المعارضون له الآن، أو المتهمون بالدعشنة على عموم التهمة، وبادعاءات أخرى غدا، خاصة بعد أن توزع شتات الكثير من أبناء الجزيرة والرقة في أصقاع الأرض

في حالة داعش، وأعني الرقة تحديدا، زال التنظيم كله، مثلما زالت معظم البيوت التي “كبَّر” عليها واحتلها، لأنها كانت مرصودة من قبل استخبارات وطائرات دول التحالف ضد داعش، فاستُهدفت ولم يبق فيها شيء ليطالب أصحابها به، إن كان من داعش أو من أعدائه المحررين الذين أفرغوا مفهوم “أملاك الغائبين” الداعشي من مضمونه، لتحتل قسد مكان التنظيم ويصوغ “مشرعوها” قانون أملاكهم الغائبين الخاص بهم.

يبقى النظام الأسدي الذي استولى على أملاك عدد من المعارضين، أو جمَّد أموال من ترك مالا وراءه. هنا قد تصبح القضية شائكة إذا باع النظام البيوت باعتبارها مصادرات، لتنشأ لاحقا مشكلة تنازع على الملكية بين المشتري وصاحب البيت الأصلي.

أما في حالة قوة الأمر الواقع من الأكراد، فلا يزال مفهوم “أملاك الغائبين” غير نافذ، حتى بالاستناد إلى ادعاءات كردية تقول إن نظام الإصلاح الزراعي صادر أراضي ملَّاك أكراد كبار في ستينات القرن الماضي ووزعها على فلاحين لا يملكون أي أرض. وفي القامشلي هنالك تنازع روايات عن “الحزام العربي”، وحول إذا ما كانت الأراضي التي وزعها النظام على المغمورين مملوكة للدولة، أو انتزعها من مالكيها الأكراد. وإذا أثبت هؤلاء الأكراد صحة كلامهم، في الحالتين، فالمشكلة ستكون بين الدولة السورية القادمة وبين الملاك الجدد، وليس مع الفلاحين، خاصة أن الكثير من “المنتفعين” باعوا ملكياتهم الصغيرة بعد تضخم عدد أسرهم، وحاجتهم إلى ثمن الأرض التي لم تعد تكفي لإطعام المزيد من الأفواه.

بدلا من ذلك، نعلم من مصادر خاصة أن حركة بيع الأراضي من عرب إلى أكراد في منطقة تل أبيض موجودة، وإن كانت الحالات قليلة ومعدودة، لكن لا يمكن في ظل أوضاع تنمر الأكراد إلا الشك في أن هذه البيوع موجهة لأغراض سياسية، حتى يثبت العكس.

ومن المعلوم أن تل أبيض منطقة عربية بنسبة ساحقة من السكان، لكن حاجة حزب الاتحاد الديمقراطي إليها مصيرية واستراتيجية، وخاصة الشريط المتاخم للحدود السورية التركية، كصلة وصل مع عين العرب- كوباني، لإكمال مقولة “غرب كردستان”، أو “روج آفا”، حسب الأدبيات المستحدثة للحزب الذي يطالب كحد أدنى بفيدرالية يحكم فيها الأكراد كامل، أو معظم، الأراضي الواقعة جنوب الحدود الدولية مع تركيا. ولأن الوصل الجغرافي بين مناطق يشكل فيها الأكراد ثقلا كبيرا أو أغلبية، لا يتحقق إلا بإلحاق تل أبيض بهذه المناطق، مثلها مثل جرابلس، كفاصل بين عين العرب وعفرين، فإن وسيلة شراء الأراضي تعد أداة سلمية من الممكن أن تحقق الغاية، وإن كانت تحتاج إلى وقت طويل وأموال كثيرة.

لا يزال الحقوقيون الأكراد يحتجون على مضمون المرسوم 49 لعام 2008 المشدد لبعض المواد من القانون رقم 41 الصادر بتاريخ 26 أكتوبر 2004 حول اكتساب وإنشاء ونقل الحقوق العينية وتسجيلها، وحول استثمار واستئجار العقارات في المناطق الحدودية.

ففي ظن الكثير من الأكراد والعرب، أن أصل القانون بعثي ينتمي إلى عام 1963 وما بعد، في حين أنه يعود إلى عهد الانتداب الفرنسي على سوريا، ويتحدث عن نقل الملكيات في الأراضي الحدودية مع الدول المجاورة لسوريا، وليس خاصا بالحدود الشمالية وبالأكراد. ويعود أصل المرسوم إلى قرار من المفوض السامي الفرنسي تحت الرقمين 16 و17 بتاريخ 18 يناير 1934 خول بموجبهما السلطات الإدارية بمراقبة نقل وتعديل أو إنشاء الحقوق العينية على الأراضي الواقعة على الحدود الجنوبية في درعا، وفي أقضية صور ومرجعيون والزوية (حين كان لبنان وسوريا تحت الانتداب الفرنسي قبل نشوء لبنان ككيان مستقل).

فوضى الإدارة أو فقدانها، في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، مع نزوح الكثير من أصحاب الأراضي، ستخلق مشكلة شبيهة بحالة “أملاك الغائبين” عند إسرائيل، حتى لو لم يكن صاحب الأملاك عدوا لحالة السيطرة الكردية. وبالتالي سنشهد حالة مشابهة في النتيجة لتلك، وإن لم يكتب المشرع الكردي قانونا مماثلا، بسبب غياب صاحب الملك، أو بتهمة “الدعشنة” الصالحة الآن، وغدا، كون داعش تراجع برايته السوداء دون أن يرفع الراية البيضاء أمام رايات أعدائه.

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية